آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

أراجيز الطف 36

محمد أحمد التاروتي *

حملت أرجوزة الطفل الشهيد عمر بن جنادة الأنصاري، في معركة كربلاء، مستوى الوعي الكامل بالقضية، التي يحارب من أجلها، فهو يعرف الطرف الذي يدافع عنه، من خلال استخدام المفردات بسيطة، ولكنها قادرة على إيضاح الفرق الكبير، بين معسكر سيد الشهداء ، والجيش الأموي في يوم عاشوراء، بالإضافة إلى التركيز على مكانة الإمام الحسين ، باعتباره البقية الباقية من العترة الطاهرة، فالتضحية بالنفس في سبيل الدفاع عنه، يدخل السرور في القلوب، مما يحفز على المبادرة إلى حمل السلاح، دون وجل أو خوف من الموت، فالشهادة بجوار سيد الشهداء ، تمثل قمة السعادة، والخلود الأبدي في الدنيا والآخرة.

ينطلق الشهيد عمر بن جنادة في أرجوزته، بإعلان الرفض الكامل لإمارة يزيد بن معاوية، فهو لا يعترف بتلك الإمارة على الإطلاق، نظرا لافتقاره للمقومات والمتطلبات الأساسية، لاحتلال موقع الإمارة على مستوى الأمة الإسلامية، فالشطر الأول من الأرجوزة يعلن بشكل واضح لا لبس فيه، هوية ”الأمير“ الذي يستحق الإمارة في الأمة الإسلامية، مما يعني أنه ليس على استعداد للإقرار، بإمارة يزيد بن معاوية، حيث يحاول إيصال رسالة واضحة للجيش الأموي، بأنه يقف في الصف الخاطئ، نتيجة الأطماع الدنيوية، والبحث عن الذهب والفضية، بينما يقف معسكر سيد الشهداء في الصف الصحيح، من خلال الدفاع عن الأمير الحقيقي، وعدم السماح بسفك دمه، كما أن المفردات التي أطلقها الشهيد عمر بن جنادة، تفيض منها معاني الافتخار الشديد، كونه يدافع عن ”أميره“ الذي لا يضاهيه أمير في الدنيا، فالإمام الحسين يختلف عن الأمراء الآخرين، الذين يسعون وراء الدنيا، مما يجعله يحتل مكانة رفيعة في القلوب، حيث يقول ”أميري حسين ونعم الأمير“.

بينما يركز الشهيد عمر بن جنادة، في عجز البيت الأول من الأرجوزة، على المكانة الرفيعة التي يحتلها سيد الشهداء ، فهو قرة عين الرسول الأكرم ﷺ، باعتباره سبطه الذي أدخل البهجة والسرور، في قلبه، مما يستدعي الوقوف في صفه، ضد الجيش الأموي، وبالتالي فإن الدفاع عن سيد الشهداء ، يدخل السرور في قلب الرسول الكريم ﷺ، بينما رفع السلاح في وجه سبط المصطفى ، يعني الحرب ضد الرسول ﷺ، بالإضافة لذلك فإن الوقوف خلف ”الأمير الحسين“ يدخل الاطمئنان في النفس، فحالة الاستقرار النفسي، لا يعرفه سوى من ذاق طعم الاعتراف الكامل، بالإمارة الحقيقية لسيد الشهداء ، فالمبادئ الذي يدافع عنها غريب الغرباء، تدخل الراحة النفسية في القلوب، الأمر الذي يفسر الركض والمسارعة نحو الشهادة، من لدن جميع معسكر سيد الشهداء ، دون الإحساس بالخوف، والتردد من الجموع الجرارة في الصف المقابل، بالإضافة لذلك فإن حالة ”السرور“ في القلب عنصر أساسي، في التحرك بنحو الشهادة نفس راضية، حيث يقول ”سرور فؤاد البشير النذير“.

ينتقل الشهيد عمر بن جنادة، في الشطر الأول من البيت الثاني من الأرجوزة، إلى تذكير الجيش الأموي بالشجر المباركة، التي ينتمي إليها سيد الشهداء ، فوالد الإمام الحسين شخصية حفرت اسمها، في الدعوة الإسلامية منذ انطلاقتها، فقد ساند الإمام علي الرسول الأكرم ﷺ، في جميع مراحل الدعوة الإسلامية، وساهم في تدعيم أركانها، عبر الكثير من البطولات التي سطرها، بحيث لا تقتصر على جانب دون آخر، بالإضافة لذلك فإن فاطمة الزهراء بنت الرسول الأكرم ﷺ، هي والدة الإمام الحسين ، ومن ثم فإن النسب الرفيع لا يضاهيه أحدا في الأمة الإسلامية على الإطلاق، الأمر الذي يستدعي التوقف كثيرا بخصوص إقدام الجيش الأموي، على سفك دماء سبط المصطفى، فالشهيد عمر بن جنادة حرص على تحذير الجيش الأموي، من مواصلة الحرب ضد معسكر سيد الشهداء ، كونه يحارب ضد القيم والثوابت الإسلامية، حيث يقول ”علي وفاطمة والداه“.

فيما يستنكر الشهيد عمر بن جنادة، في عجز البيت الثاني من الأرجوزة، على الجيش الأموي حمل السيف، في وجه صاحب النسب الرفيع، وذو المكانة الخاصة لدى الرسول الأكرم ﷺ، فالمفردات التي أطلقها الشهيد عمر بن جنادة، تحمل تقريعا واضحا من الإصرار على قتل شخصية، تمتلك مثل هذه المناقب والمواصفات، فالأمة الإسلامية ستفقد شخصية ليس لها نظير على الإطلاق، وبالتالي فإن تفريط الأمة الإسلامية في شخصية لها موقعها في النفوس، سيجلب العار والخزي لهذه الأمة، التي لا تقيم وزنا للشخصيات ذات المكانة الرفيعة، فضلا عن الانتساب إلى رسول الرحمة ﷺ، الأمر الذي يفرض اتخاذ موقف مغاير تماما للمواقف، التي اتخذها جيش عمر بن سعد في معركة الطف، لاسيما وأن التداعيات المترتبة على قتل سبط المصطفى ، ستظهر في السنوات القادمة، حيث يقول ”فهل تعلمون له من نظير؟“.

يواصل الشهيد عمر بن جنادة، في الشطر الأول من البيت الثالث من الأرجوزة، في سرد الكثير من المناقب التي يمتلكها سبط المصطفي ، حيث تظهر المفردات التي استخدمها جانبا كبيرا، من شخصية الشهيد عمر بن جنادة، فهو يمتلك مخزونا كبيرا من المعرفة التامة، بشخصية سيد الشهداء ، حيث يستخدم مفردات دقيقة في جزء يسير، من مناقب سيد الشهداء ، فكل من عرف سيد الشهداء يدرك أهمية الدفاع عنه، في وجه السيوف المرفوعة في معركة الطف، مما يستدعي إعادة ترتيب التفكير بما ينسجم مع الحقائق الدامغة، بهدف الوصول إلى الحقيقة الناصعة، حيث يستخدم مفردة ”طلعة“ في إيضاح المكانة الرفيعة، التي يحتلها الإمام الحسين على مستوى الأمة الإسلامية، فالشطر يكشف أحد مقامات سيد الشهداء على الأمة الإسلامية، فكما أن الشمس تطرد الظلام عن الكرة الأرضية، فإن الإمام الحسين يضيء القلوب المظلمة الضائعة، ويرشدها للطريق القويم، حيث يقول ”له طلعة مثل شمس الضحى“.

ويختتم الشهيد عمر بن جنادة أرجوزته، بوصف دقيق لوجه سيد الشهداء ، عبر استخدام مفردة ”غرة“ التي تمثل البياض الناصع، مثلما يستضيء المرء في الليالي المظلمة بنور القمر، فالإمام الحسين سيد القوم في زمانه، الأمر الذي يستدعي الاستفادة منه في أمور الدنيا والآخرة، عوضا من المسارعة في قتاله وإراقة دمائه وأهل بيته، فالشهيد عمر بن جنادة، يدرك تماما أن الجيش الأموي يعرف حقيقة سيد الشهداء ، والمكانة التي يحتلها، ولكنه يسعى لإقامة الحجة عليه، والتذكير بالعواقب الوخيمة، الناجمة عن الاستمرار قتال سيد الشهداء ، حيث يستخدم ”بدر منير“ لإيصال رسالة واضحة، تتمثل في وجود شخصية قادرة على إزالة الظلام عن الأمة الإسلامية، كونه يمثل الامتداد الطبيعي للرسالة المحمدية، الأمر الذي يتطلب مراجعة الذات، وعدم الانسياق وراء ملذات الدنيا، والتراجع عن الاشتراك في جريمة كبرى، تسود وجه الأمة الإسلامية، حيث " له غرة مثل بدر منير،

وتنقل أن عمر بن جنادة الأنصاري طلبت منه أمه أن يقاتل دون الإمام الحسين ، إذ استأذن على صغر سنه الإمام الحسين لمقاتلة جيش عمر بن سعد، فبرز وهو يقول:

أميري حسين ونعم الأمير
سرور فؤاد البشير النذير

علي وفاطمة والداه
فهل تعلمون له من نظير؟

له طلعة مثل شمس الضحى
له غرة مثل بدر منير

كاتب صحفي