زوايا أسرية 26
قالوا: أخطائكِ كبيرة
مخاطركِ كثيرة
تخفين نواياك خلف حروفك لازدراء أهل العلم والفكر
تعيشين أزمات لمفاهيم غير عابئة بعواقبها وغير مدركة لجوانبها السلبية
أهليتك لمواجهة الصعاب ناقصة.. تأملي وقفي.. أنتِ امرأة..
عودي إلى رشدك واقرئي مشكلتك وابحثي لها عند مَن له رأيٌ وعلمٌ وبصيرة، واعلمي ليس لأفكارك المتناثرة والمتأثرة مكاناً، فالعواقب المتعلقة بما تطرحينها كبيرة، وليس هناك مَ ن يهتم لها وإن حدث ذلك النادر فهو كرمٌ وأخلاقٌ إنسانية ودينية ومجتمعية من باب النصح والواجب خوفٌ عليك، فكوني على يقين أنك في المسار الخطأ.
قولوا ما تشاؤون، عتاب لشعور زائف، تحميلٌ ما لا يُحتمل، أمورٌ سيئة، عدم الرضى عن النفس معاناة نفسية سلوكية، نقصٌ في المفاهيم العقدية، معلوماتٌ سطحية، حدثَ لك لا يعني حدث لغيرك، اعتلال فكري ومخاوف لأمراض عقدية أخلاقية.. بالتأكيد لا أحد يحب توجيه العتاب له لا سيما مَن يرى نفسه أهلاً للعلم والمتحدث والمُنظر فيقول من أنتِ؟
أولاً: أنا إنسان وكائنٌ حي
خُلقتُ مكرماً ومميزاً، يسمو بروحه في رحلة طويلة، يبحث عن ذاته بشكل مختلف لبناء قدراته العقلية والفكرية، تبدأ من معرفة الذات وأسئلتها الحائرة في منظومة تشكيلة متصارعة مع الآراء بموضوعية وإن ظهر أحياناً تمردي على بعض العادات وعدم الانحناء والخضوع لها ولا للمتبنين لأفكارها المتناقضة والمخالفة للعقل.
هذا ما جعل موضوع المرأة في حالة صراع وجودي فكري سلوكي بين الرجل والمرأة طوال تلك العصور، فكانت المتاهات والصراعات تُكون بوناً شاسعاً بينهما حتى عزلت المرأة بقوة الأعراف والعادات وأحياناً باسم مفاهيم مغلوطة للدين، فقُيدت الأحلام والآمال ومُورس عليها أشد أنواع الإقصاء حتى أصبحت يائسة وكأنها نبتة في صحراء قاحلة، غيب عنها المطر والسقيا، وحُرمت من العلم والفكر وقبلهما الثقة، فأصبحت تبحث عن غيومِ تستظل بها وترتوي من مطرها لتقول: أنا نبتة صالحة ولي شأنٌ في هذه الحياة مكرمة كالرجل، فصدحت بصوتها لتقول: أنا امرأة أعيش مرحلة العبور في الزمكان، مخضعة كل أمر تحت المجهر وفق المعطيات الكبرى ماضيها وحاضرها وما أسفر تحليلها وتعليلها وما يحيط بها إلا من أحس بالإقصاء والعزلة الطويلة، فهوت بعضهن وسقطت على الطريق تحت عناوين كثيرة مبررة وغير مبررة، لتُعبر عن مكنوناتها المتناقضة، تحملُ مسؤولية ما عُلم وما عليها أن تتعلم لعمارة الأرض وفق القيم والأخلاق الإسلامية والسنن الكونية والسعي لإرساء العدل في منظومة الحقوق والوجبات بين الرجل والمرأة والتواصل والتعاون والتعايش بين الشعوب لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير﴾ [1]
ثانياً أنا الحاضر
نعيش في عالم متحرك وله قابلية التفاعل مع المتغيرات والاضداد لإيماننا ليس هناك ثوابت لا تتبدل باستمرار فيما يتعلق بمسيرة الإنسان العاقل الحر والقادر على إزالة الغموض واعطاء رؤية حياتية وقراءة تشكل مسارات في الدوائر المختلفة للحاضر والمستقبل وفق منظومة القيم الإنسانية مدعومة بالتحليل والتفكير المتزن دون أن يكون هناك أحكام مطلقة وممارسات فوضوية، بل حلول لها من امكانية التطبيق مساحة غير جامدة، فكلما نضج الإنسان وجدانيا ًارتقى للمستوى الأخلاقي والفكري والسلوكي والتعايش والتفاعل بين المتناقضات دون الدخول في صراعات لا جدوى منها إلاّ أن يكون هناك حوار وتواصل ايجابي يدفع الآخرين لسماع أبعاد وجهة نظرك أو الاتفاق على احترام الرأي والرأي الآخر واحتضان الاهتمامات والمشتركات الإنسانية.
هذا ما شكل عند المعالج أهمية إثارة مثل هذه الظواهر التي من شأنها معالجة العلاقة بين الرجل والمرأة لمقتضى العدالة والموازنة بينهما دون بخس ولا جور، ووضع لها إطار من الأفكار يشكل توجيها اجتماعياً إنسانياً لجميع جوانب حياتنا، وفي بعض زواياه سلوكي أخلاقي عقدي وبعيداً عن النظريات والخوض في غمار بحرها التخصصي بمعناها الواسع.
أنا محدثتكم حديثاً غير خفي، تنكره النفس الأبية للجهل والخرفات التي عشعشت في رؤوس بعض المستغلين والمقصرين والأفاقين والمدعين أنهم مربون وهم للحق يتلونون، ملؤا الدنيا خرافات وخزعبلات ظلماً وعدواناً مستغلين امكانياتهم ومكانتهم العلمية المجتمعية في لويهم عنق بعض النصوص واصرارهم على قول: ﴿بَلۡ قَالُوۤا۟ إِنَّا وَجَدۡنَاۤ ءَابَاۤءَنَا عَلَىٰۤ أُمَّةࣲ وَإِنَّا عَلَىٰۤ ءَاثَٰرِهِم مُّهۡتَدُونَ﴾ [2]
فأغلقوا أبصارهم وأسماعهم ومنطق العقل والحياة عنها، فكانت هي الصرخة لمن له ضمير بقولها:
سيخبرونكِ أن حالتكِ المزاجية ليست على ما يرام،،
سيختلقون عشرات القضايا ويحملوكِ أخطائها
سيقنعونكِ بأن الصمت والتنازل هو ضمانك
سيفسرون تساؤلاتكِ بأنها خارج إطار الأخلاق
سيضعونكِ في زوايا مرضية ويصفون لكِ دوائها
منطقكِ وسلوككِ ورفعتكِ وعلمك لن يشفع لك.
يحتجون عليكِ لفرض إرادتهم خوفاً على مكانتهم، فينشؤون لكِ قوالب وحدود وصفات تُؤطر شخصيتكِ، وتضع العراقيل لقتل كل ما يعتلج في حنايا صدرك وعقلك من آمال وحقوق.
المرأة عندهم غير مؤتمنة على نفسها ومالها وجسدها وإن علت مكانتها وعلمها وآدابها وأخلاقها ونسبها، في نظرهم تُحركها الأهواء والنزوات والشهوات وكأنهم بُراء من ذلك أو جاؤوا من عالم آخر، هي لا زالت عندهم للفراش والحمل والولادة وعاملة للمنزل ومربية للأطفال، صوتها عورة ناقصة عقل ودين خُلقت من ضلع أعوج وهي الفتنة والشر ضعيفة المنطق عاطفية تُسيرها الكلمات، دموعها غير صادقة وتحتاج الكثير لتعرف مفاتيحها ولن تتمكن،،
ينسجون اسقاطات وأعراف مجتمعية تبرر استئثارهم لضربها وتعنيفها وطردها بمبرر مفهوم القوامة، متأثرون بما هو سائد ومستندون لما هو قائم من مفاهيم فقهية وضعت بصماتها على مدى زمن من الاجحاف، وكأن المرأة ضمن المستملكات وإن كان هناك استثناء هو نتيجة زفرات من الآلام والمعاناة عند بعض المجتمعات.
نحتاج إعادة صياغة هذه الرؤية القاصرة والعزف الهابط اتجاه المرأة بما يناسب الزمكان، وليس لتقييد دور المرأة بأعذار ذكورية بعيداً عن الواقع والقيم والمعايير والضوابط المضيئة التي وصفها الباري وأشاد بدورها وجعلها في مصاف الرجل في تحديد المعيار بين الرجل والمرأة قال الله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [3]
لعب المنطق الذكوري بجدارة طوال القرون الماضية في خلق مسافة واسعة بين المرأة والرجل، مشككاً في نزاهة منطقها ورجاحة عقلها وقدراتها على ادارة شؤونها الحياتية حتى أوصلها في مرحلة ما.. حرمانها من التعليم والخروج من بيتها لأنها الشر والفتنه، وحين انطلق نخبة من العلماء والمفكرين مناصرين للمرأة وصموا بكلمات جارحة تخرجهم عن الآداب والقيم وأحياناً بصفة التغريب وأخفها العلمانية والحداثة وإن سألت أحدهم عن معانيها وأبعادها يتصبب عرقاً لجهله بها.
نعم تلك المرحلة لا لمباني دينية على نحو الدقة بل لمفاهيم وتأثيرات مشوهة عن روح الدين لوجود ايدولوجيات وتقاليد وعادات وتراث يناصر المنهج الذكوري الذي صاغه لنفسه لتسلطه بدعم المنقولات من التراث في تحجيم دور ومكانة المرأة، لوجود استمرار التغذية الفاقدة للنزاهة والوضوح، معيقين للبناء والنماء الإنساني مخالفين المنهج القرآني الذي كرم المرأة وجعلها متساوية في الثواب والعقاب لقولة تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [4]
تكشف هذه الآية بشكل واضح عدالة الباري في المساواة بين النساء والرجال بتركيز دقيق على طبيعتهما وصفتهما الإنسانية، فرسالة الوحي القرآني في هذا الموضع تشمل النساء والرجال، إلى عرض الصفة البشرية للمؤنث والمذكر في تكرار واضح يشير إلى غاية المساواة في الخطاب القرآني [5]
فالرجل والمرأة هما من نفس العنصر وليس هناك تمييز ولا تفضيل في انسانيتهما المشتركة، فالدعوة للمساواة والعدالة هما لأجل التكامل لا للتنافر، لتستقيم مسيرة الحياة بصورة واقعية وإن لم يدركا ذلك عاشا صراعات همجية. قال تعالى:
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۖ..﴾[6]
إن الحوار والتدبر في منهج الرجل تجاه المرأة كان ولا يزال محل تجاذبات منذ قرون، ولاتزال بعض النصوص الفقهية والتوجهات الذكورية خارج سياق الوعي بالمتحولات الزمنية حتى وصل الحال عند البعض بوصفها بالحيوان مستشهدين بكتابات ونصوص علمائية ينسبونها إلى الدين ”هنا ينقل الشيخ حيدر حب الله في موقعه الرسمي عن الملا صدرا الشيرازي في كتاب“ الحكمة المتعالية ج3 ص136 ”بقوله بالنص الحرفي وهو يتكلم عن خلق الأرض وما فيها من حيوانات، ومنها“ تولّد الحيوانات المختلفة وبثّ فيها من كلّ دابة بعضها للأكل وبعضها للتجمّل والراحة ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون، وبعضها للنكاح، والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وبعضها للملابس [7]
ويضيف حب الله في نقله عن الفيلسوف السبزواري معلّقاً على كلام الملا صدرا: «في إدراجها في سلك الحيوانات إيماءٌ لطيف إلا أنّ النساء لضعف عقولهنّ وجحودهنّ على إدراك الجزئيات ورغبتهنّ إلى زخارف الدنيا، كدن أن يلتحقن بالحيوانات الصامتة حقاً وصدقاً أغلبهنّ سيرتهنّ الدواب، ولكن كساهنّ صورة الإنسان لئلا يشمئز عن صحبتهن ويرغب في نكاحهنّ، ومن هنا غلب في شرعنا المطهر الرجال وسلطهم عليهن في كثير من الأحكام كالطلاق والنشوز وإدخال الضرر على الضرر وغير ذلك خلافاً لبعض الأديان في بعض الأحكام فأين السها من البيضاء؟ [8]
بأيّ حق ومفهوم وعقل سلبها صفة الإنسان، وتشبيهها المنافي والمجافي للدين والأخلاق الحميدة، متناسين أن الحياة بنيت على ثنائية تكاملية وليست تماثلية، وإن كانت الحقوق والثواب والعقاب عند الشارع المقدس والقوانين الوضعية هي واحدة، فما يرتضيه لنفسه من منزله عليه أن يقر بذات الحق للمرأة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الاختلاف سر من أسرار الوجود لمن ينظر بمنظار واقعي دون أن يزن بميزانين ويكيل بمكيالين، وأن القيم والأخلاق والفاصل بين المرأة والرجل هي مسالة نسبية وليست قضية للتمزيق القيمي الأخلاقي، وفي المقابل ليس من المنطق والعقل لوجود تحديات وضغوط تشعرها المرأة ازاء تجارب وممارسات وضعية وصيغ ضبابية حجم فيها دور المرأة في القرون الماضية حد الافراط والحيلولة دون نشأة السلوك المستقل تحت عناوين مختلفة، منها الحماية والرعاية والنقص في المدركات الحياتية، هذا ما أفقدها الشعور بالأمن النفسي وعدم الثقة بالنفس ونقص الشعور بالمسؤولية الأسرية التي هي الخلية الأولى في جسم الأمة، فمارست بعضهن من ضعفاء النفوس التنمر ضد الثوابت والضوابط والمعايير المنبثقة عن رؤية إسلامية تُمثل الحق والعدل الإلهي، ومركز الثقل ضد الاستمرار في رحلة التيه والدعوة للانحلال والنزوات العمياء والرؤية القاصرة التي تجعلها في مهب الريح باسم ومبرر الحريات الشخصية، للخروج من دائرة الهيمنة الذكورية والتمرد عليها دون ضوابط دينية أخلاقية.
نعم نُذكركِ أن هناك ثمة صعوبات وتحديات وعوائق شتى تحيط بالمجتمعات الإسلامية، وهناك مَن يسعى لتغريب دور المرأة باسم المساواة غير المقيدة، وهناك من يسعى من الرجال باسم حماة العقيدة لتغييب دور المرأة وإرغامها للاستجابة للحواجز والموانع والمتاريس التي تشغل عقولهم وأفئدتهم بأن المرأة هي مدار الشر وشرارة الفساد، وجميع الداعيين لرفعة المرأة وإعادة قراءة ما يواكب الواقع وُصِموا في دائرة الريب الداعي للتفكك الأسري وانحلال المرأة وتغريبها عن القيم الدينية المنتجة للخراب والدمار المجتمعي المنافي للعقيدة، متناسين أنّ تحديد جوهر الفضيلة والرذيلة هما بمثابة الضمان والسكون والمعادلة الرياضية، حيث ما سادت روح العدالة واتساع شموليتها واعطاء الدور الحقيقي للمرأة التي نطلب منها أن تكون صانعة للأجيال بإلغاء جدلية تفوق وتفضيل الرجل وتفعيل المقياس الرباني بأن التقوى والعمل الصالح هما المعيار وليس الأنوثة والذكورة والمال والقوة الجسدية، إنما الادراك بالمسؤولية اتجاه بناء النفس وتحمل دورها الحقيقي في البناء الأسري والمجتمعي على مستوى الكيف والكم بتأصيل القيم في اعماق البنية المجتمعية بالصدق والأمانة والاخلاص والصبر والعطاء ورفض التغريب والغش والخيانة وتفعيل المبادئ التي تلعب المرأة فيها دوراً مهما ًلارتباطها العضوي والإنساني، لاسيما إن كان منبثقاً عن رؤية وحس أخلاقي ديني، فالرجل والمرأة هما جسدان لعقلين وقلبين تجمعهما مسافة وتفرق بينهما مفاهيم وسلوكيات وليس هناك منزلة بين منزلتين تميز أحدهما على الآخر لقوله تعالى: ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ [9]
وجاء في قوله تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ..﴾ [10]
صرخة تنهار على أثرها النفس المتجلدة بعد أن جثم على صدرها الكثير من المغالطات نتيجة تسلط مفاهيم للفقه الذكوري على المرأة لجهل بعض المصلحين والمفكرين وخوف البعض الآخر من التشنيع وتوجيه الاتهام والنقد اللاذع المبطن بأوصاف خارج أدب الحوار والمناقشة والأخلاق والرأي الآخر والاجتهاد في النص مقابل النص ولصمت وتراخي المرأة عن حقها لاسيما في القرون الماضية.
أفاقت المرأة بعد هذا الزمن الطويل الذي الزموها بما لم يلزمون به أنفسهم، ظناً أنها انهارت قواها وحاره لبابها لمضايقات التي أثرت على صحتها النفسية والبدنية والاجتماعية الناجمة عن استئسادهم عليها باسم الدين والعفة والشرف، وإنها جوهرة وخروجها لعالم الرجال هومن الجهل والظلال وأحابيل الشيطان متناسين أن الزمن لم يعد هو الزمن فالمرأة أصبحت مساهمة في نهضة الشعوب والأوطان ولن تعود عقارب الساعة إلى الوراء، فقد أدركت بما وصلت له من رفعة وعلم حان الوقت لنيل حقوقها المقر بها الشارع والقوانين المشرعة والمشيدة لمعالم الحرية والمساواة والعدالة مع الإيمان بالمقيد والمطلق فيما أَسس له الشارع المقدس اتجاه تعليم وصقل ومخاطبة العقول مع بيان الواجب والمحذور ومنشأ العلل والأمل في النفوس، والدعوة لقراءة النصوص بما يتوافق مع متطلبات العصر بعد أن يتم ازاحة الأوهام التي فصلت بين الرجل والمرأة باسم التمسك بالموروث وكأننا دون خلق الله في هذا الكون.
أضاقوا بها درعاً فكبلوها ظلماً وقسوةً وطغياناً ثم قالوا: دُرّةً مكرمة وجوهرة
أُنصفوها: هي أمٌ وأختُ وزوجةُ ومربيةُ وصانعةٌ للأجيال.
لم تكن حروفنا السابقة تُشير إلى حكاية تراجيدية هزلية، إنما تحاكي وتخاطب العقل والشعور والسلوك الإنساني في جانبه الايجابي، وفرز ما يستحق التشخيص لتمكين المرأة وفق ضوابط الشارع المقدس.
إن المنهج الذكوري إلى زمن قريب هو أحد أهم النقاط المقيدة لخروج المرأة من منطقة الظلام والضبابية والجهل والانكسار والتناقضات والخذلان والخداع أحياناً باسم القوامة المشرعة من قبل الرجل وطلب الرضوخ له تحت عناوين ما أنزل الله بها من سلطان اتجاه المرأة لصالحه الذي جعل من نفسه سيداً وحاكماً عليها لفقرها وعدم امتلاكها الأدوات المعرفية، فنهضت صارخة: نحن شقائق الرجال، معاتبة تضم أوجاعها لكثرة وشدة الآلام إلى مرحلة العبور للفضاء المعرفي والمساهمة في بناء الذات والمجتمع رافضة التقليل من شأنها وخلق مسافات سلبية وهمية تتسع يوماً بعد يوم لتنعدم كل الزوايا المبصرة حتى لم يعد هناك حسن ضن بها.
هذا ما كان إلى وقت قريب من تأثيرات الماضي، بين التصادم في تفعيل دور العقل وما يستند إليه منطق الجموع شئنا أم أبينا، فإن النظرة للمرأة في الموروث المجتمعي هي نظرة دونية مع الأسف بلا وعي ودون الأخذ بعين الاعتبار المتغير والاختلاف الزمني، والإصرار في تغليب البقاء على ما هو عليه من قول المأثور والموروث والمُقيد بالتقاليد ضد كل ما يحيط بها من متحولات تدعو إلى رفع العاهات والانفعالات وعوامل التمييز بين الرجل والمرأة في المعاملات الإنسانية والدعوة إلى قراءة الواقع الذي يقتضي المنفعة العامة عوضا عن الاستحواذ اللامتناهي لصالح الرجل وهذا خلاف لما أمر به الشارع المقدس.
هناك من سيقول أن الأمر لا يعدو أن يكون نسبياً، وهناك من سيصف الأمر أنه يفتقد المصداقية، ومن سفاسف القول يغوص آخر في أعماق النيات فيعمل اسقاطات لا متناهية ويصف صاحبة الرأي تفتقد الموازنة وتدعو إلى تغريب المرأة والتحلل من الأخلاق، وهناك من يرفض هذا القول جملة وتفصيلاً ويدعو أن يمضي ما أمضاه السابقون في تقييد وعزل المرأة باسم هي الجوهرة التي يجب أن لا يطمع بها الرجال، وهناك من يدعو إلى مقاومة هذه النزعة التي نراها بما فيها تكاد تتلاشى ملامحها، وستكون الحياة أكثر جمالاً بالاعتدال والعمل بالفضيلة والأخلاق والاحترام والعمل بالواجبات لحياة فضلى، تنحو نحو رسم خطوط لخطوات المستقبل، لتكن المرأة سيدة حرة وعنوان للأجيال، تحمل على عاتقها المسؤولية وتعمل بحكمة، لا للغو يضاف إلى الصراع بين ما هو مشروط وغير مشروط الذي جعل الماضي بما فيه معيقاً للبناء، والانتفاع بالقدرات التي أصبح لها أثر على الواقع يدرك كل منصف إن الأمر ليس موضوع سباق من سيفوز وبماذا يفوز؟ هو حق فطري إلهي شرّع له الشارع المقدس ووضع القوانين وجعل كلاً من المرأة والرجل مكملان لبعضهما في بناء الأسرة والمجتمع والأوطان.
وها نحن اليوم نشهد الكثير من المتغيرات التي لم تعد النظرة السابقة في إشراك المرأة أمراً مستهجناً أو هامشياً لاسيما بعد العمل برؤية المملكة العربية السعودية 2030م أصبحت المرأة في جميع الدوائر الخاصة والعامة عنواناً يمثل رؤية واضحة يشهد لها القاصي قبل الداني للمستوى الذي وصلت له صعوداً للفضاء ووزيرة وسفيرة وعالمة وطبيبة ومهندسة وإدارية ومربية للأجيال، فهي تخط طريقها وتطوي الزمن ببذل الكثير من الجهد في جعل الأفكار قابلة للتطبيق والمساهمة في بناء الإنسان والمجتمع والوطن وكتابة التاريخ الذي فيها كثير من الإنجازات والتقدم والرقي.
هذه حروفي ومشاعري كنت فيها غير ناطقة وأحاسيسي تحاكي آلامي، فلم أعد صامتة لماض، فلا تعجب أن صدحت بصوتي وبشجاعتي.
نعم اليوم أصبحت عنواناً أفتخر بنفسي وما نحن عليه وفيه من البناء النفسي والأسري والاقتصادي والعلمي والوطني.
*هل ارتكبت خطأ في البوح عن مشاعرها ومعاناتها؟
*هل ستنسف تحليلها ونضجها وتغلبها على مخاوفها وتقول: أهي فعلت ذلك!؟
* أأنتِ على مقدرة من مواجه مخاوفك وإحباطاتك، ومناقشة الموضوع دون نفي رأي الآخر؟ * هل ستعودين مرة أخرى بقولك أن الموروث هو من مكمن الرجال، وهم من وضعوا ببصماتهم وشرعوا لسلوكهم ونفوا قيمة المرأة ووصموها بناقصة، واستهجنوا محاورتها وقالوا ليس من اللائق المغامرة والمجادلة معها وعلينا الجهر بأصواتنا اتجاهها، فالحقيقة هي الحقيقة وما قولها وحروفها إلاّ معاناة لا تعدو أن تكون لقضية شخيصة بعيدة عن روح القيم.
لقد مللنا هذه الاتهامات والتحامل بحق المرأة ووصفها بالدونية وتجهيلها وعزلها عن المجتمع، والغاية والحقيقة توقف العقل وتُصدمه، ارضاءً لرغبات الرجل وما شرعه لنفسه على مدى قرون مفتقد لإنسانيته ومتناسياً قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ، واحِدَةٍ، وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [11]