بين رياضِ اللغةِ العربية وأسرارُها العميقة
يقول ميخائيل نعيمة:
الكتّاب ثلاثة:
كاتبٌ يجرّه زمانه، وكاتب يُجاري زمانه، وكاتب يجرّ زمانه، والأخير أصلبهم عودًا.
لذلك ينفرد الكاتب ببصمة قلميّة تجعل من صريره مُختلفًا عن غيره ولا يوجد أفضل من اللغة العربيّة لتكون وسيلة التّعبير عن كلّ خيال يجسّده الكاتب على مسرح الحياة، وهي أيضًا لغة الواقع بلا منازع ينثر بها الكاتب أمنياته وتطلعاته المُختلفة.
لذلك كان حبّي للغة القرآن سرمديّا، فلم أقطع حبلَ المودةِ بيني وبينها منذ أن حملتُ التّخصص فيها، فما زلتُ وفيّة لها أُكرمُها بالبحث والتّنقيب، وأقضي الساعات الطويلة بين بطون أمهاتها وإليكم طرفًا من سيرتها الغرّاء وعنونتها بهل تعلم؟
هل تعلم:
أنّ العاطل من النساء هي التي ليس عليها حلي، وجمعها: عواطل وعطل وأعطال.
فلا نقول: رجل عاطل عن العمل وإنما نقول: رجل باهل
هل تعلم:
أنّ الحديقة لاتُسمى حديقة إلا إذا كانت مُسوّرة، وإذا كانت بلا سور تسمى: بستان.
هل تعلم أنّ:
«تِفْتَاف» التي نستخدمها لوصف بقايا الطعام باللغة العامية هي:
كلمة من صميم اللغة العربية ويُقصد بها من يلتقط أحاديث النساء جمعها تفاتِف.
هل تعلم من هو الفَنَّانُ؟
الفَنُّ:
هو جملةُ الوسائل التي يستعملها الإِنسان لإِثارة المشاعر والعواطف وبخاصة عاطفة الجمال، كالتصوير والموسيقى والشعر.
والفَنُّ: مهارةٌ يَحكُمُها الذوقُ والمواهب وجمعُها: أفانين وأفنان وفنون.
وقد اُطْلق لقب الفَنَّانُ على الحمارُ الوحشيُّ لتفنُّنهِ في العَدْوِ.
هل تعلم:
أنّ «شَرْواك الطيب»
عبارة لغتها فصحى!
شرْوَى الشيء: مثله، وشبيهه، وندّه
معنى «الشّرْوَى»: المِثْل فالذي يقال له «شَرْواك» يتصف بمثل مَنْ تُعْرَضُ قِصّته من حيث الأخلاق الفاضلة والصفات النبيلة. فإذا قِيل «شَرْواك الطيب» فإنَّ المعنى: مِثْلُك مَنْ يتصف بالطِّيب والأخلاق الحميدة أيضًا.
تقول الشاعرة الخنساء:
مَن حَسَّ لي الأَخَوَينِ
كَالغُصنَينِ أَو مَن راهُما
أَخَوَينِ كَالصَقرَينِ لَم
يَرَ ناظِرٌ شَرواهُما
وهل تعلم أنّ أهل اللغة ومعلموها يُصرون على التّحدّث بها وتعليمها لأولادهم مهما كلفهم هذا الأمر، مثل صاحبنا هذا، فقد أصرّ أحدُ المهتمين باللغة العربية على أن يتحدّث أولاده العربية الفصحى، وذات يومٍ طلب من إحدى بناته أن تحضر له قنينة حبرٍ، فأحضرت ابنته القنينة، وقالت له: هاك القَنينة يا أبي «بفتح القاف»
فقال لها:
اكسريها «يقصد كسر حرف القاف»، فما كان من البنت إلا أن رمت القنينة على الحائط بقوة فتناثر الحبر ملوثًا الجدار وما جاوره.
إنّنا عندما نُبحرُ في بحور اللغة العربية، نبحث ونُنقب في بطون القواميس وأمهات الكتب العربية سوف ندرك مقدار جهلنا بلغتنا الأم. نفرح بالقليل الذي تعلمناه ثم ندرك أننا لم نصلْ بعد لأعمق نقطة لسبر أغوار لغتنا وفي كلّ يوم نتعلم أكثر وأكثر ويبدو الأمر مضاعفًا غير أنّنا سوف نعرفُ مقدار جَهْلنا بها ونظلّ نحوم بين رياضها وتلالها الخضراء.