أراجيز الطف 31
تتناول أرجوزة محمد «الأصغر» بن علي بن أبي طالب في يوم الطف، التسليم الكامل لله سبحانه وتعالى، واللجوء إلى العدالة الإلهية، من ظلم وجور يزيد بن معاوية، بالإضافة لذلك، فإن الأبيات الشعرية تحمل المصير المحتوم، لكل من يقف خلف ظلم يزيد بن معاوية، فمناصرة الظالم لا تجلب الخير لأصحابها على الإطلاق، حيث تجد الخزي في الدنيا والآخرة.
يبدأ الشهيد محمد «الأصغر» بن علي بن أبي طالب أبياته الشعرية، بالتوجه إلى الله تعالى بالصبر، والتسليم الكامل، انطلاقا من الإيمان الراسخ، بالعدالة الإلهية في الدنيا والآخرة، فالامتحان الكبير الذي يواجه أنصار الإمام الحسين ، في معركة الطف، تتطلب الصبر لتجاوزه بكل صلابة وقوة، خصوصا وأن موقف يوم عاشوراء يشكل مفترق طريق، في القدرة على الصمود، أو التراجع والسقوط أمام الامتحان الإلهي، من خلال الوقوف خلف سيد الشهداء حتى الرمق الأخير، والإقبال بكل اطمئنان على الشهادة، والتي تمثل أسمى درجات الصبر، والتسليم الكامل لله سبحانه وتعالى، حيث يقول في الشطر الأول من الأبيات ”سأصبر حتى يحكم الله بيننا“، فالكلمات تحمل في طياتها إيمانا راسخا بالمصير الأخروي، لاسيما وأن معسكر الإمام الحسين ينطلق من مبادئ ثابتة، وهو يدافع عن الإسلام ومبادئه، فضلا عن مقاومة الانحراف، بالإضافة إلى عن الذود عن سبط المصطفى ، الذي يسعى لتصحيح الاعوجاج الذي أصاب الأمة الإسلامية.
بينما يتحدث في عجز البيت الأول من الأرجوزة، عن صفات يزيد بن معاوية، فهو يحكم بالظلم والجور، حيث يتصف كذلك بـ ”النذالة“ التي تمثل الخسة والحقارة، والدناءة في الحسب، والفجور في الدين، وبالتالي فإن المعركة التي يقودها الإمام الحسين ، لا تحمل الشك والريبة فيما يتعلق بالوقوف بجوار الحق، والانتصار إلى الدين، فالكلمات المتضمنة الشطر الثاني من البيت الأول، تشير بوضوح إلى الصفات السيئة، التي يحملها يزيد بن معاوية، مما يحفز على الوقوف أمامه بكل قوة، بهدف منع مثل هذه الشخصيات من التسلط على رقاب المسلمين، نظرا لخطورة السكوت على الظلم، المتمثل في يزيد، وخطره الكبير على مصير الأمة الإسلامية، مما يفرض التضحية بالنفس، والإقبال على الشهادة دون تردد أو خوف، خصوصا وأن مصير الشهيد الخلود في الدنيا والآخرة، بخلاف الظالم الذي لا يلقى سوى الازدراء في الدنيا، والخزي في الآخرة، لذا فإن الشطر الثاني يتحدث عن المحكمة الإلهية العادلة بالقول ”وبين يزيد ذلك الظالم النذل“.
ويتطرق الشهيد محمد «الأصغر» بن علي، في الشطر الأول من البيت الثاني من الأرجوزة، إلى مصير كل من يقف خلف يزيد في ظلمه وجوره، فهذه الشخصية لا تستحق سوى الرفض والانتفاض عليها، نظرا لخطورة الآثار المترتبة على جلوسها على كرسي الخلافة الإسلامية، فالضلال مصير كل شخص يناصر يزيد، سواء في تدعيم أركانه حكمه، أو السكوت على ظلمه، أو حمل السيف في وجه كل من يعارض حكمه، فالمصير المظلم لا يقتصر على فترة حكم يزيد بن معاوية، ولكنه يمتد إلى نسله، فالظلم لا يقف عند حقبة محددة، ولكنه يمتد إلى سنوات طويلة، الأمر الذي يستدعي اتخاذ الموقف الثابت، وعدم التنازل عن المبادئ، والقيم الإسلامية، نظرا للتداعيات الخطيرة الناجمة عن تمكين الظلم، وانعدام الصوت الرافض، وبالتالي فإن معركة كربلاء تمثل صرخة مدوية، في وجه ضلال يزيد بن معاوية، فهذه المعركة ستصنع علامة فارقة في ضمير الأمة الإسلامية، بحيث ستبقى خالدة إلى يوم القيامة، نظرا لاتخاذها الموقف المطلوب، عوضا من السكوت عن ظلم يزيد بن معاوية، حيث يقول ”لقد ضل من والى يزيداً ونسله“.
وفي المقابل فالعجز من البيت الثاني من الأرجوزة، فإن الشهيد محمد «الأصغر»، يحدد مصير كل شخص اتخذ الموقف العدائي، تجاه الإمام علي بن أبي طالب ، فكما أن الضلال مصير كل من يناصر يزيد بن معاوية، فكذلك الأمر بالنسبة لبغض وعداء سيد الأوصياء ، حيث يقف يزيد في فريق الضلال والانحراف، ويمثل الإمام علي الرسالة المحمدية، والإيمان، والتقوى، ومن ثم فإن مناصر الباطل تقود إلى الضلال، والوقوف خلف الحق يؤدي إلى الفوز في الدنيا والآخرة، فالكلمات التي يحملها الشطر الثاني، تتضمن عبارات تشير إلى الصفات، التي يتحلى بها سيد الأتقياء ، فالمواقف الجليلة التي أظهرها الإمام علي في نصرة الإسلام، ليست خافية على الجميع، حيث تشهد الحروب الكثيرة على البطولات التي سطرها، بالإضافة لذلك فإن صفات الإمام علي ، لا تقف عند جانب دون آخر، فالبطولة والشجاعة لا تعني عدم اتصاف إمام المتقين ، بالسبق في الإسلام، والفضل الكبير على غيره من الصحابة، حيث يقول في الشطر الثاني ”وعادى علياً من له السبق والفضل“.
يطلق الشهيد محمد «الأصغر» في الشطر الأول، من البيت الثالث من الأرجوزة، الموقف الحازم تجاه الجيش الأموي الجرار، الذي يقف في محاربة سبط المصطفي ، فهذا الموقف يتمثل في البراءة التامة من تلك الفئة الضالة، التي تظاهرت على الجور، وتخلت عن مناصرة الحق، فالسيوف التي يحملها جيش عمر بن سعد، تجسد قمة الجور والظلم، خصوصا وأن المبادئ التي ينادي بها الإمام الحسين ، لا تخرج عن مقاومة الظلم، والدعوة لتحكيم الشريعة الإسلامية، وبالتالي فإن الوقوف خلف الظلم يستدعي اتخاذ الموقف الحاسم، وعدم اتخاذ موقف المتفرج، نظرا للآثار الخطيرة الناجمة عن مناصرة الباطل، وخذلان الحق، فالكلمات في الشطر الأول تصرح بالبراءة من الألوف، التي تظاهرت في سبيل نصرة الباطل، مما يستدعي حمل السيف لمقاومة تلك الضمائر الميتة، التي آثرت الظلم والجور على العدل والحق، حيث يقول ”إلى الله نبرأ من أناسٍ تظاهروا“.
وفي العجز الأخير من البيت الثالث من الأرجوزة، يتحدث الشهيد محمد «الأصغر»، عن مستوى الانحطاط الخلقي لدى جيش عمر بن سعد، فهذه الجموع الكبيرة اتخذت الجور وسيلة للانقضاض، على القلة القليلة من معسكر سيد الشهداء ، فالإقدام على ممارسة الجور والظلم، مرتبط بالضلال الذي تسلط على القلوب، فانعدام الهداية والانغماس في طلب الدنيا، يدفع باتجاه الإقدام على جرائم فظيعة للغاية، نظرا للافتقار إلى الضمير الحي، الذي يحول دون ممارسة الجور بحق الآخرين، وبالتالي فإن الجيش الأموي استخدم الجور وسيلة، للإقدام على ارتكاب الجريمة الكبرى، بحق الإمام الحسين ، وأصحابه وأهل بيته في يوم عاشوراء، فالكلمات القليلة من العجز الأخير من الأرجوزة، تناولت الانحدار الأخلاقي لدى معسكر عبيد الله بن زياد، من خلال الوصف الدقيق لهذه النوعية من البشر بالقول ”معشر ضلوا“، مما يعني أن جميع المساعي لإيقاظ ضمائر هذه الشريحة، من الناس مصيرها الفشل، حيث يقول ”علينا بجور أنهم معشر ضلوا“.
وتنقل كتب السير أن الشهيد محمد «الأصغر» بن علي بن أبي طالب ارتجز بمجرد انحداره إلى ميدان المعركة في يوم عاشوراء قائلا:
سأصبر حتى يحكم الله بيننا
وبين يزيد ذلك الظالم النذل
لقد ضل من والى يزيداً ونسله
وعادى علياً من له السبق والفضل
إلى الله نبرأ من أناسٍ تظاهروا
علينا بجور أنهم معشر ضلوا