آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 4:17 م

مئة وخمسون شخصية في شخص واحد

الدكتور أيمن صفوت سالم *

إن لم يسعفني عمري بأن ألتقي بتوفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وعائشة بنت الشاطئ، وعبد الرحمن بدوي، وعبد الله الطيب، ومحمد الغزالي، وغازي القصيبي، وعبد الوهاب المسيري، وفدوى طوقان، وسوار الذهب، وناصر الدين الأسد، وزكي نجيب محمود، ونزار قباني، وشوقي ضيف، وشكري عياد، وهشام شرابي، ومئة وخمسين شخصية في وزن هؤلاء جميعًا، فقد اختزلت ذلك كله بلقاء شخص واحد فقط: هو الأستاذ الأديب الإعلامي محمد رضا نصر الله.

كنت أحتاج أن أذرع السعودية من غربها إلى شرقها في مسافة 1400 كيلومتر لأزور سعادة الأستاذ محمد رضا نصر الله في بيته الكائن بمنطقة القطيف في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، وأن أتكبد عناء السفر ووعثاءه لأرى تاريخًا من الفكر والأدب والإعلام متجسدًا في شخصية واحدة، جمعت في حواراتها بين التنوع والثراء، وبين الشرق والغرب، حتى إنه قد عقد حوارًا مع «صموئيل هنتغتون» صاحب نظرية صراع الحضارات.

وقد كان في قدَري على غير قصد مني أن تكون الزيارة الأولى للقطيف والدمام والخُبَر في أول يوم من العام الهجري، وأن تكون فاتحة الزيارة للأستاذ نصر الله.

وإنك إن جالست الأستاذ نصر الله، وجدت في وجهه سيما الباشوية، وعمق الثقافة، مع علم وتدين، وستجد أنه لا يفتأ يذكر كواليس الذكريات والحوارات مع عمالقة الفكر في كل قطر حلّ، وفي أي بلد نزل، مع تفصيلات وأسماء تسعفه بها الذاكرة لشدة انغماسه في الجو الفكري والثقافي في العالم العربي.

ولا تخطئ العين أو الأذن الثقافة الموسوعية التي اتسم بها من خلال حديثه وتحليله، ومن خلال مقابلاته العميقة مع تلك الشخصيات التي اضطر إلى عقد مقابلات مع كثير منهم دون تحضير، لِما تُحتمه ظروف وجود الضيف في مهرجان أو ندوة لا يكون للأستاذ نصر الله علم بوجود تلك الشخصيات فيها، فربما يعقد خمسة لقاءات في يوم واحد مع تلك الشخصيات، وتكون تلك اللقاءات عميقة باقتدار، لأن الأستاذ لا يتكئ على وظيفة يؤديها، بل كان اتكاؤه على ثقافة عميقة نتيجة لقراءات عميقة مطولة امتدت على طول حياته.

ولا يمكن إهمال ذلك الجانب المهم في ثقافة الأستاذ نصر الله، وهو جانب النقد الثقافي والأدبي، والجانب الكتابي الذي تتبين روعته فيما سطّره يراعه من مقالات في هذا الصدد، مثل ذلك المقال الطويل الذي تفضل بإرساله إليّ عندما سألته عن شعوبية توفيق الحكيم، وكونه يكره العرب وغيرها، وقد اقترحتُ عليه بأن يجمع المقالات التي كتبها في الصحف وينشرها في كتاب، فسرني بأنه بصدد هذا المشروع.

وإن يكن لك شيء من العجب، فلتعجب من تلك المكتبة الضخمة في منزله، والتي صحبتُه إليها في الدور السفلي من منزله الأنيق بذلك المصعد الزجاجي، والتي حوَت آلافًا من الكتب في كل أنواع الثقافة، وقد خصَّ ركنًا منها بالكتب المهداة إليه، كان من أبرزها إهداء توفيق الحكيم لكتابه «مختارات من تفسير القرطبي»، وكذلك إهداء من بدوي الجبل، وأحمد طالب الإبراهيمي، وغيرهم من مئات الكُتَّاب.

ثم انتقلنا إلى صالون الصور التي ملأت جدران المنزل مع شخصيات من السياسيين والمفكرين والأدباء والمثقفين في كل أرجاء الوطن العربي، تلك الشخصيات التي يسمع عنها جيلنا أو يقرأ أسماءها في الكتب فقط.

وقد جمع الحلقات من أرشيف التليفزيونات ونشرها على اليوتيوب، ثم نشرها مكتوبة في مجلدات ثلاثة ضخام تحت عنوان: «حوارات القرن».

وقد ازدان مجلسنا بحضور الشيخ الأستاذ حسين الشيخ، وهو أحد الباحثين والمؤلفين في القطيف، وله نتاج جيد من الكتب كان قد حدثني عنه - بارك الله فيه -.

وإن كنت أتمنى فأتمنى أن يرجع المثقفون إلى حلقات الأستاذ نصر الله، وإلى موسوعته «حوارات القرن» ليغرفوا من بحر الأدب والثقافة، وليتعرفوا على إنتاج يستحق أن يُقرأ ويستفاد منه، وأن تتكرر زيارتي للأستاذ محمد رضا نصر الله في قادم الأيام إن شاء الله.