آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

المشاعر النفسية السلبية.. بين دياجير الطقوس وإشراقات الدروس.. حَدَثٌ وحَدِيْثٌ ”48“

عبد الله أمان

تَتصدّرُ خُمودًا أَحلكُ صَفحاتِ قَوائمِ الأَفكارِ والتصوّراتِ السلبيةِ؛ وتَستحوذُ أجنداتُ مَكبوتاتها الخانقة، بِرمّتها - باستِحكامٍ مُغلَق، واستِفحالٍ مُطبِق - غَلبةً، على جُلّ مُحتوَى حَصيلةِ المَشاعرِ السلبيةِ المَجنِيةِ - مِن قِمّةِ الرأسِ، إلى أَخمصِ القدمِ - لذَائقةِ زَادِ فِكرِ الفردِ السلبي السوداوي التفكير، الذى لَايرَى بَريقَ النورِ المُنبثقِ خِلسةً، مِن رَحِم إشراقةِ الفجرِ الرمَاديةِ الحالِمةِ؛ ولَا يُبصِرَ بنظرِه الزائغِ، أَقصرِ هُنيهةٍ قادمةٍ وَاعدةٍ، بانفِراجِ بَصيصِ الأملِ المُندسّ لحظةً، خلفَ رُكامِ الغُيومِ السمراءِ القابعةِ في نَاحيةِ سُوحِ مُلتقى سَدِيمِ الأُفقِ السامِق… إنّها حالةٌ بائسةٌ يائسةٌ - بمِلءِ الفمِ - حُبِكَ نَسيجُها مِن سَقطِ حُطامِ اليأس المُتخَاذلِ؛ وتَرعرَع بِساطُها الهَش في كَنفِ هَجمةٍ مُماثلةٍ، مِن ثُمالةِ لَقطِ القُنوطِ المُبطّنِ بقَطاميرَ غِشاوةٍ مُزدوجةٍ، مِن حِملِ ”غُثاءِ“ دِثارِ التوتّرِ الداخِلي؛ وثِقلِ وِشاحِ توأمِها التّرب: حَالةٌ حَرجةٌ ”ثَكلَى“ جَاثمةٌ، في رَمادِ التردّدِ المْنهزمِ؛ وغَارقةٌ في فُتاتِ أَلمٍ صَارخٍ مِن حَرّةِ الضبابيةِ البَلهاء… ليَتسنّى لجُمعةِ الأَحوالِ السلبيةِ مُجتمعين، مِن اللّهو والسّهو طَربًا وعَبثًا، بلُبابِ صَفاءِ مَشاعرِ إنسانٍ كَالِح الوَجهِ، يَتهادَى ”مُكِبًّا على وَجههِ“ في مِشيتِه المُترنّحةِ، وتَراهُ بمدّ نََظرةٍ خَاطفةٍ، شَاحِبًا مُتهندِمًا، في جَوفِ أَسْمالِ حُلّةٍ قَديمةٍ: مُشَتّتَ الفِكر، ومَسلوبَ الإرادةِ؛ وفَاقدًا لمَهارةِ ضَبطِ مِقود دَفّةِ السيطرةِ النفسيةِ الضابطةِ؛ لِكبحِ جُماحِ حَفيفِ أمواجِ رِحلتِه التائهةِ، تَقدّمًا وإحجَامًا…!

ولعلّ سَائلًا عَابرًا يتساءَل: مَتى يَصل أحدُنا إلى مَرحلةِ مُتقدّمةٍ مَن التفكيرِ السلبي…؟ والجوابُ الجاهِز، على ذلك ببسَاطةٍ ولبَاقةٍ، هو عِندما تتحكّم وتَستأثِر في مَراكز مَشاعرِنا الحاضِرةِ الواعِيةِ - اعتلاءً واستحكامًا - جُملةٌ مِن سَلاسل الأفكارِ الخاطئةِ؛ ومِثلها، طيّ التصوراتُ السلبيةُ الظنّيةُ؛ ليَعصِف نبضُ أوهامِها الذاتيةِ بأوتارِه المُتهالِكةِ، في سَكّ قَراراتِ أحوالِ مَشاعِرنا؛ وتَشلّ باستِحواذٍها المُهيمِن، فُسحةَ استِجوابِها، بأَريحِيةٍ وشَفافِيةٍ؛ لتتمَوضَع أَصداؤها الصدِئة بأدنَى دَرجةٍ مِن التدبّرِ والتصبّرِ؛ عِندئذٍ يَبدو مَظهرُ أَحدِنا مُكفهرًّا عَابسًا، وقد حَبستهُ حّرّةُ أنفاسهِ الخائرة أَسرًا، عَن رُؤيةِ حَقيقةِ مَا أشكلَ عليه أمره؛ ومَا غابَ عَن تفسيرِه ذِهنه؛ ليهبِط - في نِهايةِ المَطافِ - مُذعِنًا مُستسلِمًا، في غَيابةِ مْستنقعٍ آسنٍ مِن هَطلٍ مُضِلٍ مِن شبكةِ الأوهامِ الضبابيةِ؛ ويُمنَى بسَيلٍ هَادرٍ مِن كَيلِ الشكُوكِ الجائرةِ؛ ويُواجَه بدَوائرَ مُغلقةٍ مِن أضغاثِ الظنُونِ الوَهميةِ؛ ليَستندَ إلى دَبيبِ خُفُوتِ غَباشتِها؛ ويَركنَ إلى قَرقَعةِ ”نَقيقِ“ كَدرِها؛ ويَبنِي عليها رَسمَ ووَشمَ حاضِر مَشاعرِه الآنيةِ، دُونَما بَذلِ النزرِ اليسِير، مِن العُبورِ المُتدبّر، إلى ثَغراتِ التفاؤل؛ وانتهاجِ حُصصٍ واعِدةٍ مِن مَخارمِ أطيافِ الأَملِ القادمِ؛ وتوظِيفٍ مَاتِعٍ ”لَمَسامَاتِ“ نُفوذِ عَطاءِ عَبَقِ الإيجاببةِ المُشرقةِ، توقّعًا واحتِضانًا؛ لتنقيةِ صَفحتي الذّهن والفَكر معًا، مِن سَقطِ شوائبِ الشكوكِ، ولَقطِ مُشوّشاتِ الظنونِ، القائدَين إلى إدامةِ فَوجِ ولُوجِ المشاعرِ النفسيةِ السلبيةِ، بكاملِ نماذجِ وأنماطِ دَياجِير طُقوسِها المُمَارَسَةِ، في أشراكِ نّسَقِ حركةِ دَوامةٍ لَولَبيةٍ، لَا تَلوِي، أو تَستدُّ على مَحطّ استقرارٍ دائمٍ…!

ويَبدو الأَمرُ جَليًا، كَوضوحِ الشمسِ الساطعةِ، في رَابعةِ النهارِ، أنَّ جُملةَ المَشاعرِ السلبيةِ هي نِتاجٌ توافقيٌ حَتميٌ، لطرائق وأنماط تفكِيرِنا… تلك المشاعر المُختلطةِ الحُبلى المُتمثلةِ في رَزِيئةِ الكُرهِ، وكَريهةِ البُغضِ لِمَن حَولِنا، مِن سَائر مُختلفِ الشّخُوص، والأجناسِ، والثقافاتِ المُحترمةِ تارةً؛ وتارةً أخرى تَتكلّف بإثارةِ الشكوكِ؛ وانتهاجِ كَيلٍ وَافرٍ مُفتعلٍ مِن سَيلٍ هَادرٍ مِن نسقِ ”تأثِيم وتجرِيم“ سَلوكيّاتِ ومُعتقداتِ الآخرِين؛ ورُؤيتها بمَناظيرَ، ومَعاييرَ شَخصيةٍ ظَنيةٍ، قَبلِيّةِ المَنشأ، وعِدائيةِ المَورِد، ومِزاجِيةِ التقيِيم… التي لَا تَستندُ إلى دَليلٍ عَقليٍّ مَلموسٍ، أو تَستدّ إلى مُستندٍ مَدِينٍ نَقليٍّ عَقليٍّ مَحسوسٍ؛ لتؤطِّرَ برمّتها، نواتجُ عُصاراتِها ”الفجّةِ“ امتدادَ مُحيطِ ”ظَنيّة“ مَشاعِرنا السلبيةِ، بعدَ أنْ لحِقتها ظُلمةُ الأوهامِ المُفبركةِ؛ وغطَتها ضبابيةُ افتعالِ واشتعالِ مَواضعِ مُستَصغرِ شررِ التدليسِ المُستحكَمة… عِندئذٍ لَا بُدّ مَن إعادة تقويم وتقييم البرمَجةِ الذاتيةِ؛ ومِثلها إعادةِ برمجةِ وإدارةِ المشاعرَ السلبيةِ، كَمًا وكَيفًا؛ وتَمحِيصٍ ذاتيٍّ شاملٍ جَادٍ، لمُرتكزاتِ الأفكارِ السلبيةِ المَغلوطةِ؛ واختبارِها - بدِقةٍ وحِنكةٍ - بمقاييسَ ورَوائزَ عَقليةٍ؛ وإعادةِ استهلالِ رُؤيتِها بمناظيرَ أكبر دِقةٍ، وأكثر مٍصداقيةٍ، وأبرع قَبولٍ عقليٍّ رَاجحٍ، يحظى حُضورٍا وغِيابًا، بقُدسِيةِ الصّدارةِ؛ ويَفوزَ فخرًا واعتزازًا، بقصبِ السبَقَ؛ وتَأنسَ لهُ ذائقةُ الضميرِ الإنساني المُتيقّظِ، جُملةً وتَفصِيلًا، في آفاق مَنابرَ مُنتدياتِ المُناظراتِ العقليةِ؛ وفي إشراقاتِ مَراقِي التداوُلاتِ الفِكريةِ العصريةِ، بفَائقِ قَبُولٍ، ورَائق واستَحسانٍ مُماثِلينِ…!

وهُناكَ في سُلّمِ جَلساتِ المَراحلِ العِلاجِيةِ خُطواتٌ نفسيةٌ مَدروسةٌ، تَتجلّى فعاليتُها وأهميتُها، في التغلّبِ الظافرِ ”بمُضادّاتِ حَيويةٍ“ حَاسَمةٍ هَازِمةٍ، لمَلَكةِ صَحوةِ العقلِ الواعي، على صَدّ أعتَى الغَارات القاهِرة، ورَدّ أشدّ الهَجماتِ الضارِيةِ لاقْتناصِ وافْتراسِ لُبابِ نفسيةِ الفردِ المَغلوبِ على أمرِه، وَسَط كَمّاشةِ ضَنكِ الضّغوطاتِ، وقَهرِ أَلمِ المُستحثّاثِ السلبيةِ، وإكراهِ وجَعِ المُهيجاتِ النفسيةِ… وفي مَكامِن طُقوسِ العُزلةِ؛ وفي دَياجِير أوكارِ الخَلوة، وهُنيهاتِ تقلَبِ المَزاجِ، وحِدَّةِ تَذبذبَ الطباع، وفرطِ حَساسِيةِ المُواجهةِ… وخِتامُها: انتصارُ إشراقِ فيصلِ ”فيلق“ شَفافيةِ المُكاشفةِ الذاتيةِ… وهْنالك، في زِحامِ اشتداد حَرّةِ أَلمِ وسَقمَ وتَصعيدِ حِدّة المواقفِ الوِجدانيةِ المُواجِهةِ، يَبوحُ ويَلوحُ، في جَوانبَ الأُفقِ القريبِ، تباشيرُ رَكبٍ مُيسّرٍ مُسهّلٍ؛ يتهلّل مَوكبُه ”بانقشاعِ واتساعِ“ مَساراتِه الرائدةِ الواعدةِ، في تبسيطِ وتمهيدِ خُطواتٍ مُكاشفاتٍ عِلاجبةٍ ناجِحةٍ ناجِعةٍ، بعدَ التوكّل على الله تعالى… أوّلُها مَسلكًا ومَأخذًا: تقبّلُ زَخمِ تلك المشاعرِ السلبيةِ - بقضّها وقَضِيضَها - وتفهّمٌ مَماثلٌ لِحصيلةِ المَواقفِ السلبيةِ الحرِجةِ، ونتيجةِ الجَوانبِ الداخليةِ والخارجيةِ، التي قادت لِزامًا، إلى ”تفاقُمِ وتعاظُمِ“ أَسنِمةِ ”لَوثَةِ وعَتَهِ“ الاستسلامِ المُذعِن لصَرعةِ باقةِ الأوهامِ النفسيةِ الشاخصة. وثانيها: الانشغالُ الذاتيُّ المُوجّةُ المُنصَبُّ على رُدودِ الأفعالِ الذاتيةِ، والتغذيةِ الراجعةِ؛ والتركيزُ المُحَدّدِ على حَالِ الذاتِ المُتأزّمةِ، عِوضًا عَن تشتِيت الموقِف، والانشِغال التامِّ بمَلامةِ واتّهامِ مَواقفِ الآخرين وانتقادِهم اللّاذِع؛ وكذلك زِيادةِ وإِثراءِ مَصادر وأواصر الثقةِ بالنفس؛ بُغيةَ الانتصارِ المُظفّرِ، مِن قُمقُمِ الأَوهام الطافِحةِ؛ والخروجِ المُوقّرِ مِن فُوّهَةِ الظّنون المُترعةِ…! وثانيها: تَجاهُل سِلال المُثيراتِ السلبيةِ مِن حَولنا؛ وتَناسِيها جُملةُ وتَفصِيلًا، بمَا يَفتحُ أبوابًا مُشرَعةً؛ ويُبقِي نوافذَ مَفتوحةً؛ لاستِنشاقِ واستِشرافِ، خَبايا الأمورِ المُستحدثةِ والطارئةِ حُضورًا، بمزيدٍ مِن أسرارِ انفتاحِ قَبَساتِ الرّضَا النفسي؛ وانشقاقِ سَريرةِ انشراحِ نَسائمِ السلامِ الداخِلي، بشفافيةِ رُوحِ التفاؤلِ المأمُولِة، ومَشاعر بهجةِ القَبولِ المَحبِورَة، ووقفاتِ الأملِ الواعِدَة، بمَشيئةِ الواحدِ الأحدِ…!

هذا، ومِن نِعمِ اللهِ على سّائر خَلقهِ أنْ مَنحَهُم نِعمةَ العقلِ؛ وتَفضّل عليهم إحسانًا، ببُحبُوحةِ الفِكر، وكرّمهم تشريفًا بمَلكتَي التدبّر والتفكّر… فالسعيدُ مَن سَعى ووَعى؛ وفكّر ودَبّر باستعمالِ مَلكة عَقله، واستخدام مَهارة فِكره؛ واجتهد في جَلبِ مَنابع السعادةِ لنفسَه؛ وتَقاسَمَها احتسابًاّ، معَ مَن تعُزّ عليه صُحبتُهم؛ وتهمّه رِفقتُهم… فلَا سَعادةً رَائدةً سَائدةً تُرتجَى مَع وقعِ آلاَمِ ضَائقةِ صَاعقةٍ، تؤرّقُ وتدقُّ رَدَحًا، في شِريان عَضُدِ حِدّةِ المَشاعرِ السلبيةِ… ولَا توجّعًا صَارخًا مُستنجدًا، يَدنُو مُكرَهًا بغَدرٍ وزَجرٍ، مِن عُلوّ أسوارِ بُستانِ مُروجِ السعادةِ الدائمةِ؛ ويَنجَح بتسلّلهِ بأتعسِ مُعاناتِه اللاذِعةِ المُرّةِ، مُنقاذًا، بمَكرٍ وضَجرٍ، في مَدارجِ دُرُوبِ مَنهجِ بصِيرةِ العقلِ الواعي… واللهُ مِن وَراءِ القَصدِ، ونُصرةِ الوَعدِ؛ وبمَلكوتِ قُوّتهِ، وسُلطانِ قُدرتةِ نَستمِدّ عَصبَ القوّةَ، ونقتبسُ جَدارةَ المقدِرةَ!