هلَّ المحرّمُ فاستهِلَّ مُكَبِّرا
شهاب الدين بن سعيد الموسوي
هلَّ المحرّمُ فاستهِلَّ مُكَبِّرا
واِنْثُرْ به دُررَ الدّموعِ على الثّرى[1]
واِنظُرْ بغُرّتِه الهِلالَ إذا اِنجَلى
مُستَرجِعاً متفجِّعاً متفكّرا
واِقطِف ثِمارَ الحُزنِ من عُرجونِه
واِنحَر بخَنجَرِه بمُقلَتِك الكَرى
واِنْسَ العَقيقَ وأُنْسَ جيرانِ النّقا
واِذْكُر لنا خبرَ الصّفوفِ وما جَرى
واِخلَع شِعارَ الصّبرِ منك وزُرَّ مِنْ
خِلَعِ السَّقامِ عليكَ ثوباً أصفَرا
فثِيابُ ذي الأشجانِ أليَقُها بهِ
ما كان من حُمرِ الثّيابِ مُزَرَّرا
شهرٌ بحُكمِ الدّهرِ فيه تحكّمتْ
شَرُّ الكِلابِ السّودِ في أسَدِ الشّرى
قُتِلَ الحُسينُ فيا لَها من نَكبةٍ
أضحى لها الإسلامُ منهدِمَ الذُّرى
قتْلٌ يدلُّكَ إنّما سرُّ الفِدا
في ذلك الذِبْحِ العظيمِ تأخّرا
رُؤيا خليلِ اللّهِ فيهِ تعبّرَتْ
حقّاً وتأويلُ الكِتابِ تفسّرا
رُزْءٌ تدارَكَ منه نفْسُ محمّدٍ
كَدَراً وأبكى قبرَهُ والمِنْبَرا
حُزني عليه دائِمٌ لا ينقضي
وتصبُّري منّي عليَّ تعذَّرا
لهفي على ذاكَ الذّبيحِ من القَفا
ظُلْماً وظلّ ثلاثةً لن يُقْبَرا
مُلقىً على وجهِ التُرابِ تظنّه
داودَ في المحرابِ حينَ تسوّرا
لهفي على العاري السّليبِ ثيابُه
فكأنّه ذو النّونِ يُنبَذُ بالعَرا
لهفي على الهاوي الصّريعِ كأنّه
قمرٌ هَوى من أوجِه فتكوّرا
لهفي على تلكَ البَنانِ تقطّعتْ
لو أنّها اِتّصلَتْ لكانتْ أبحُرا
سلَبَتْهُ أبناءُ اللِّئامِ قميصَهُ
وكَسَتْهُ ثوباً بالنّجيعِ معَصْفَرا
فكأنّما أثرُ الدِّماءِ بوجهِه
شفقٌ على وجهِ الصّباحِ قد اِنْبَرا
مَنْ لي بأن أفدي الحُسينَ بمُهجَتي
وأرى بأرضِ الطّيفِ ذاك المحْضَرا
فلوِ اِستطَعْتُ قذَفْتُ حبّةَ مُقلتي
وجعلْتُ مدفِنَهُ الشريفَ المَحجرا
روحي فِدى الرّاسِ المُفارِقِ جسمَهُ
يُنشي التِلاوةَ ليلَهُ مُستَغفِرا
رَيحانةٌ ذهبَتْ نضارةُ عودِها
فكأنّها بالتُّربِ تَسقي العَنْبَرا
ومضرّجٍ بدمائِه فكأنّما
بجُيوبِه فتّتَّ مِسكاً أذْفَرا
عَجباً له يشكو الظّماءَ وإنّه
لو لامَسَ الصّخرَ الأصمَّ تفجّرا
ويلٌ لمَنْ قتَلوهُ ظمآناً أمَا
علِموا بأنّ أباهُ يَسْقي الكَوثَرا
يا لَيْتَ قومي يُولَدونَ بعصْرِه
أو يسمعونَ دُعاءَهُ مُستَنصِرا
ولوَ اِنّهُم سمِعوا إذاً لأجابَه
منهُم أُسودُ شَرىً مؤيَّدَةُ القُرى
من كلِّ أنمُلةٍ تجودُ بعارضٍ
وبكلِّ جارحةٍ يُريكَ غضَنْفَرا
يا سادَتي يا آلَ طهَ إنّ لي
دَمعاً إذا يجري حديثُكُمُ جرَى
بي منكُمُ كاِسمي شِهابٌ كلّما
أطفَيْتُهُ بالدّمعِ في قلبي وَرى
شرّفتُموني في زكيِّ نِحارِكُم
فدُعيتُ فيكُم سيّداً بينَ الوَرى
أهوى مدائِحَكُم فأنظِمُ بعضَها
فأرى أجلَّ المَدْحِ فيكُم أصغَرا
ينحطُّ مَدحي عن حقيقةِ مدحِكُم
ولوَ اِنّني فيكُم نظَمْتُ الجَوهَرا
هَيهاتَ يَستوفي القريضُ ثناءَكُم
لو كان في عددِ النّجومِ وأكثَرا
فعليكُمُ صلّى المُهيمِنُ كلّما
كرَّ الصّباحُ على الدُّجى وتكوَّرا
هو شهاب الدين بن سعيد الموسوي الحويزي، «1025 - 1087 هـ /1616 - 1676م»، الشهير بابن معتوق الموسوي، شاعر خوزستاني شيعي، وتعود شهرته إلى شعره في أهل البيت . وعرف الشاعر ب ”ابن معتوق“ الموسوي ولعل الصواب هو ”أبو معتوق“، وجاء هذا الخلط بسبب ابنه «معتوق» الذي جمع ديوانه[3] بحسب صاحب أعيان الشيعة، وقد أشارأيضًا إلى الخلاف حول اسمه؛ فقد ذكر أنه السيد معتوق بن شهاب أو شهاب الدين أحمد بن ناصر بن معتوق الموسوي الحويزي[4] .
لا توجد معلومات عن سيرته إلا اليسير فقد ولد سنة 1025 هـ ، ونشأ في البصرة، واتصل بالسيد علي خان، أحد أمراء البصرة من قبل الدولة الصفوية نحو 1055 هـ ، فقرّبه وغمره بإحسانه، فصار ابن معتوق من مادحيه. وقد أصيب بالفالج «الشلل» في أواخر عمره، مما اضطره إلى أن يُملي شعره على ابنه. وقيل جمع ابنه ديوانه بأمر من السيد علي خان، وطبع مرارًا في مصر وبيروت والإسكندرية، ومطبعة شرف في بمبئي.
كان ابن معتوق رقيق الشعر نال من الملكة الشعرية حظاً وافرًا، واشتهر بمدائحه الصادقة لأهل البيت خاصة علي بن أبي طالب وابنيه الحسن والحسين ، وله قصيدة في النبي محمد ﷺ. ويقول ابنه معتوق أنّ في جملة ما فقد من شعره مدائحه في الأئمة . ومن شعره يرثي فيه الإمام الحسين، هذه القصيدة التي نظمها في محرم 1082 هـ [5] ، وهي في ديوانه وعدد أبياتها «64» اخترت منها هذه الأبيات.