عسكريم لوز بطعم الدود
الآن وقد أصبح اللوز أبوالدود عسكريما صار علينا أن نتوقع ألوانا من الفنون في الإعلانات، ومثلها في الوصفات والمنافع الصحية وغير الصحية، اللوز الذي نشتريه بكثير من الفرح وهو يتلون بألوان الغبار، وألوان المبيدات التي يراد لها أن تضمن خمول الدود حتى لحظة البيع في السوق، انتقل من هذه اللحظة من يد الفلاحيين إلى يد التجار والمستثمرين، ومن بسطات الشوارع، إلى مكائن العصر والطحن والتثليج، فكل شيء في اشتداد القيظ منذور للانتقام من حرارة الجو، وسخونة الأرض والسماء معا.
من هذه اللحظة سنرثي سعر اللوز القديم، يوم كنا نمد البرطم شبرا لأن الصندوق الصغير كبران راسه، ولا يتحرك من مكانه إلا بثلاثين وأربعين، كنا نشتكي للرطب الذي يمضي وقتا متأففا في الصناديق من دون مشتر، وهو لا يتجاوز في سعره حاجز العشرة والخمسة عشر ريالا، نشتكي له غرور اللوز المنتشي برغبات لا تعرفها مؤشرات السوق، نرى السوق فائضة منه من غير أن يتزحزح السعر من مكانه، اليوم ومع مزاحمة محال العسكريم سصيبح كثيره قليل، ورخيصه غال، وما حدث في الأسواق قبل يومين يختصر هذه الحكاية، فالصندوق المغلوب على أمره يسأل الناس 90 ريالا مهرا لشرائه، وحين تسأل البائع الصغير يرد بالقول: هبة العسكريم.
لقد بدأت مع العسكريم، ولن تنتهي عنده، فأهل البحرين كعادتهم لم يتركوا لنا شيئا، حيث احتفلوا يومم أمس بأول مهرجان للوز، وجربوا فيه تحويل اللوز إلى عسل ومخلل، بمثل ما حولوه إلى عصير وعسكريم، كانت الأسعار تترنح ما بين الأربعين والستين، ولو جرب التجار تقديم روشتة طويلة بفوائد اللوز، كترطيب البشرة وتحسين الهضم وعلاج الاسهال مثلا، لن نجد سبيلا للوصول إلى حبة لوز إلا عند حاجز المئة، والمئتين، سيصبح اللوز ”أخو الفقع“، مطلوبا ومصلوبا على سور الأسعار.
ومن هوان اللوز على الناس أنهم أبدلوا قضمه بلحسه، كانت قبضة الواحد منا على اللوزة تعادل الإمساك بثمرة من ثمار الجنة، يطحنها طحنا بأسنانه، متلذذا بتمازج حلاوتها بحموضتها، يعاين بفرح حجم الحفر التي تركها على أطراف العنكيش، أما أرباب العسكريم، فهم يلعقون، هكذا تقول كتب اللغة، لا رائحة تلتصق في أيديهم، ولا ذاكرة تتوقظ في خواطرهم.. مستغرقون في البحث عن اللوز المهروس والمطحون في قوام بارد في كل شيء.
نحن الآن بانتظار الذروة الثانية في سوق اللوز، مع نضوج اللوز البلدي بنهاية موسم الرطب، وسندعو عندها على المصطفين عند باعة العسكريم كلما وجدنا اللوز عزيزا على جيوبنا، سندعو عليهم باللوز والتهاب الحلق، وقبل ذلك بعسكريم مثلج بطعم الدود، لأنهم سرقوا حصتنا من السوق ومن الذكريات.