آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 2:23 م

أمةٌ لا تدخر أمةٌ لا تستثمر «2»

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الاقتصادية

الادخار ليس أمراً يتعلق بالأطفال والحصالات، كما هو الصورة الذهنية الشائعة، فقيمة المدخرات عالمياً - بفئاتها الخاصة والحكومية والأجنبية - تقدر بنحو 270 ترليون دولار، أي ما يقارب ثلاثة أضعاف الناتج المحلي العالمي «99 تريليون للعام 2022 بالقيمة الاسمية».

الادخار هو الدخل الذي لا ينفق على الاستهلاك، حتى ينفق لاحقاً «عند التقاعد أو عند لشراء منزل أو للطواريء». أما الاستثمار فهو استخدام الأموال لاقتناء أصل ليدرّ دخلاً أو مكسباً رأسمالياً، كالأسهم والسندات والعقار أو الذهب أو جمع الطوابع والعملات والمقتنيات مثل اللوحات الفنية أو حتى الرموز غير قابلة للاستبدال «NFTs» أو البيتكوين عند البعض.

وطبقاً للنظرية الاقتصادية الكينّزّية «نسبة للاقتصادي كِينّز» فإن الادخار يساوي الاستثمار، وأن هذ شرط أساسي لتوازن الاقتصاد. وهكذا، فيمكن القول إن العلاقة بين الادخار والاستثمار وشائجية؛ فما يُدخر سيستثمر، ولذا فإن المال الذي يُكنَز“تحت البلاطة”ليس استثماراً بالمعنى الاقتصادي، من حيث أن ما يدخره الناس يساوي ما يُستثمر في الشركات والأدوات المالية الحكومية مثل السندات، وذلك لاعتبارات:

أن الشركات تحتاج إلى المال المُدخر لتمويل عملياتها ونموها. مقابل حصة من أسهم وأرباح الشركة.

أن الحكومات تحتاج إلى الأموال المدخرة لتمويل عملياتها. فتقترضها من المدخرين.

وتتجسد العلاقة بين الادخار والاستثمار في أن الأفراد يدخرون المال، ثم يقرضونه للشركات والحكومة، لتستثمر هذه الأموال من قبل الشركات والحكومة، مما يزيد سعة الاقتصاد ويخلق فرصاً وينتج عن ذلك نمواً اقتصادياً. وهكذا، الادخار والاستثمار ضروريان لنمو لأي اقتصاد، إذ أن ديمومة الضخ الاستثماري لأي اقتصاد يعتمد على ديمومة الادخار. والضخ الاستثماري لا يعتمد على مدخرات الأفراد فقط، فالمدخرات التي يحتفظ بها في البنوك، تقرضها البنوك لشركات لتبني مشاريع، تخلق وظائف، وتوفر سلع وخدمات، تحل محل الواردات وتنمي الصادرات، مما ينمي الناتج المحلي الإجمالي. وكذلك نحتفي عندما تحقق الميزانية العامة للدولة فائضاً، فذلك يعني تنامي قدرة الخزانة على استثمار هذا الفائض في زيادة السعة الاقتصادية من بنية تحتية بما يعزز تنافسية الاقتصاد ويرفع من انتاجيته، وإقبال الشركات للاستثمار فيه. وهكذا، فإن تنامي الادخار يؤدي لتوفير المزيد من المال للقطاع الخاص والحكومة لزيادة نشاطها الاقتصادي، وبالتالي زيادة النمو والازدهار.

يتبع.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى