آخر تحديث: 3 / 12 / 2024م - 8:27 م

آية الولاية بين التبليغ والوعيد للنبي الأعظم (ص)

زاهر العبدالله *

يقول الله سبحانه وتعالى ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين [المائدة: 67].

هذه الآية نزلت كما ذكر المسرون تامر رسول الله ﷺ بتبليغ الولاية لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب على المؤمنين.

والسؤال هنا في قوله، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، وهذا الخطاب يفهم من ظاهره التهديد للنبي إن لم يبلغ الولاية فكأنه لم يبلغ الرسالة التي جاهد في سبيلها نيف وعشرين سنة فهل النبي كان مترددا في التبليغ أو رافضا له حتى يأتيه الخطاب بالتهديد والوعيد؟ واين خوف كان يخشاه النبي من الناس حتى يتردد في التبليغ حتى حصل على ضمان الحماية من الناس؟

والجواب أن للقرآن الكريم عدة خطابات، فإذا كان الخطاب متعلقاً بالنبي الأعظم محمد ﷺ وحده خاطبه ربه بألطف العبارات، وإذا هناك من يشترك معه في الخطاب وهم الناس خاطبه بما يناسب إقبال وإعراض الناس عليه.

فهنا الآية المباركة في معرض أُناس عندهم استعداد الرفض والمعارضة بلغ أشده فكان الخطاب بالتهديد والوعيد هو ما يناسب تلك القلوب المهزوزة والمتزلزلة وإقامة الحجة على تلك القلوب الغادرة والمتلونة والخائنة لعهد الله ورسوله ﷺ إذ من المستحيل عقلاً ونقلاً إن التهديد والوعيد مجرداً يكون ذاتاً لسيد الخلق قاطبة، ومن هو رحمة للعالمين.

ولو عدنا لتفسير هذه الآية عند أهل البيت نجد أن الإمام الباقر يصف قلوب من كان مع النبي الأعظم محمد ﷺ بما أشرنا سابقاً إذ يقول:

أَمَرَ اللَّهُ عَزّ َوَجَلَّ رَسُولَهُ بِوَلَايَةِ عَلِي وَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ» وَ فَرَضَ وَلَايَةَ أُولِي الْأَمْرِ فَلَمْ يَدْرُوا مَا هِي فَأَمَرَ اللَّهُ مُحَمَّداً ﷺ أَنْ يُفَسِّرَ لَهُمُ الْوَلَايَةَ کَمَا فَسَّرَ لَهُمُ الصَّلَاةَ وَ الزَّکَاةَ وَ الصَّوْمَ وَ الْحَجَّ فَلَمَّا أَتَاهُ ذَلِك مِنَ اللَّهِ ضَاقَ بِذَلِك صَدْرُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَ تَخَوَّفَ أَنْ يَرْتَدُّوا عَنْ دينهم وَ أَنْ يُکَذِّبُوهُ فَضَاقَ صَدْرُهُ وَ رَاجَعَ رَبَّهُ عز وجل فَأَوْحَى اللَّهُ عز وجل إِلَيْهِ «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» فَصَدَعَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى ذِکْرُهُ فَقَامَ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ يَوْمَ غدير‌خُمٍّ فَنَادَى الصَّلَاةَ جَامِعَةً وَ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِب.‌

م: الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - الصفحة 289.

نفهم من الرواية أن الباقر يشير أن خطاب التهديد هنا لا يناسب حضرة النبي الأعظم محمد ﷺ بل التهديد هو لمن لم يقبل ولاية أمير المؤمنين ويشير إلى حفظ نبيه الكريم منهم مهما كانت معارضتهم الشديدة المكنون في صدورهم، وهذا النوع من الخطاب له نظائر في القرآن في الخطاب الواحد يحمل جهتين مثل نبي الله يوسف عليه وزوجة العزيز حيث قال تعالى ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ [يوسف: آية 29].

هذا والله أعلم وبالله التوفيق وآسف على الإطالة.