غواصة الأثرياء.. اختيار واع للموت!
في وعينا وإيمان قلوبنا أن كل نفس لا تدري منقلبها ولا تعرف خاتمتها، ولا تعرف ترابها الذي سيواري جسدها إلى يوم البعث والنشور. في كتاب الله تعالى «ولا تدري نفس ماذا تكسب غدا ولا تدري نفس بأي أرض تموت». يقين الجهل بالمصائر وبأسبابها، وبعلتها المفضية إليها والسبيل الذي سيسلكها الموت إليها.
تجعله يشتري العلة المنتجة للموت بمال عظيم، ويستعجله ويسعى إليه بإرادة حرة مختارة واعية، وقد غافله الموت في متعة حس أو شهوة جسد أو غواية نفس.. وهو في إقباله عليه إقبال لهفة طاغية ورغبة مستبدة به، قد استلبت عقله ومشاعره بتمامها.
أول يقظة وعي في هذا الحدث، هو الحد من عبث الرغبات ومراقبتها من التشوه، فرب شهوة ساعة ورّثت ندما طويلا، أو خزيا معجلا، أو فضيحة تلتصق بالأعقاب من بعده أو موتا ضعف سببه لولا غلبة الشهوة وسطوتها، فما قيمة أن يعلق الإنسان روحه على حبال الموت من أجل رؤية طحالب بحرية عالقة فوق سفينة غدرت بركبها، قبل أن تغرقهم في المحيط، ثم ترتضي قاعه لها قبرا!
وثانيها، الحد من الشعور بتعاظم القدرة، ووهم الحول والقوة والطول!! إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا!
في هذه الأعماق السحيقة في جزء من الثانية يرص الإنسان بقوة ألف طن من الحديد الصلب يسقط على جسد نملة، فما هو مقدار المتعة التي سينالها الإنسان وتبرر المخاطرة بالأرواح والأبناء والأموال؟ بعد الطبقات السطحية للبحار مع كل متر يتضاعف الضغط.. ويقترب الموت.. وتتباعد فرص النجاة.. ويتجلى سلطان الله تعالى في عظمته في خلقه، وعجز العقول عن الإحاطة به، وبعلمه، وبإدراك علله، أو الاطلاع على سره، فما نجهله من عوالم خلقه أعظم وأكثر مما نعلم «ويخلق ما لا تعلمون».
وثالثها، اصنع يقينك بنفسك لكي لا يقودك يقين زائف إلى الموت، وكلما اقترب القرار من روحك فكن حريصا عليها أشد الحرص، فنحن في زمن اليقين المصطنع والمزيف والمتحرك.
رغم ثروات الضحايا الهائلة التي في أيديهم لم يطلب أحدهم استشارة من جهة مختصة تتعلق بسلامته من الموت في غواصة تم استعمال مقابض ألعاب الأطفال للتحكم في مساراتها!!
الضحية هنا استعار يقين من قبض ماله، ولن يشاركه موته إن ثبت زيف هذا اليقين! وإن بعضهم فرض يقينا زائفا على ابنه حتى استلب منه عمره وحياة لم تكد تبدأ في نيل نصيبها من الدنيا، هل كانت حياتهم أقل قيمة من ثمن استشارة من جهة مختصة غير البائع الجشع الذي باعهم الموت ملفوفا بيقين مزيف ووعد مكذوب بالسلامة.
في نهاية الأمر.. إننا جميعا وعلى الدوام بحاجة إلى عدم الطغيان في لحظات وهم القدرة، وبحاجة إلى اختيار واع لأفعالنا، وشهواتنا، وعدم استعارة يقين غيرنا فيما يتعلق بأرواحنا، وبحاجة على الدوام ودون انقطاع إلى تذكير أنفسنا البشرية أننا أضعف بكثير مما نعتقد.. وأننا لن نخرق الأرض ولن نبلغ الجبال طولا ولا صلابة ولا قوة.. وأكبر دليل على هذا هو هذا الاختيار الواعي للموت من قبل رجال من قائمة الأكثر ثراء ونجاحا وسلطة. وما بذلوه من مال كان كشراء قبر ليس له عنوان، ولن يزوره أحد، ولن يبكي عليه محب تلظى بفقد حبيبه!.