سر القوة النفسية للإنسان يكمن في التماسك الداخلي
مادتا الفحم والماس تتركبان من نفس المكونات، فكلاهما عبارة عن ذرات كربون متراصة، لكن على الرغم من ذلك، نجد الفحم من أرخص المواد وأقلها شأناً، والماس من أغلى المواد وأعلاها شأناً.
الفرق الجوهري والمهم بينهما، يكمن في التركيب الجزيئي البلوري لكل منهما وترتيب ذرات الكربون فراغياً داخل البلورات. فالفحم له تركيب جزيئي خاص، حيث يتشكل في طبقات أو صفائح حيث يكون لذرات الكربون روابط قوية على نفس المستوى أو الطبقة، ولكن الروابط ضعيفة بالطبقة الأعلى أو الأسفل. لكن الحال مختلف في الناس، فإن ذرات الكربون لها روابط قوية في ثلاثة أبعاد، حيث يجري تعبئة الذرات بشكل متقارب جدا، وترتبط كل ذرة بأربع ذرات كربون أخرى، مما يعطيها بنية قوية وصلبة جداً في ثلاثة أبعاد.
من هذه المقدمة، ندخل في صلب الموضوع، أن المائز الحقيقي بين الأشياء يتمحور حول التكوين الداخلي في الجوهر، وليس في الماهية المادية الظاهرية، وهذا يعطي إشارة واضحة جداً على ضرورة الحرص على بناء الإنسان الداخلي واستغلال طاقاته المودعة فيه، لضمان تماسكه وقوته النفسية في مواجهة التحديات والصعوبات والابتلاءات التي تمر على الإنسان.
من حيث الخلق والتكوين، خُلق جميع البشر من لحم ودم ولديهم نفس التركيب المادي، ولكن سر تفاوتهم وتفاضلهم الروحي والمعنوي فيما بينهم، يكمن في قدرتهم على حسن استخدام عقولهم واستغلال مواهبهم وقدراتهم المودعة فيهم، وقدرتهم على التماسك المعنوي ومرونتهم في مواجهة الابتلاء ومحن الحياة.
لذلك نجد الأشخاص الناجحين الأقوياء، لديهم درجة عالية من الانضباط الذاتي، الذي يكفل لهم صلابة معنوية ونفسية، تمكّنهم من فعل ما يجب عليهم فعله، في الوقت الواجب عليهم فعل ذلك. ويتحلّون كذلك بالابتعاد عن الانشغال المتع والرفاهيات المؤقتة، التي قد تعيقهم عن تحقيق أهدافهم، وتفكيرهم منصبّ نحو الوصول إلى الهدف المنشود وتحقيق الإنجازات.
إنهم الأكثر قدرة على استغلال نقاط قوتهم لتفعيلها وتنميتها، واكتشاف نقاط ضعفهم لمعالجتها وتقويتها، ليصبحوا أكثر مقاومة ومواجهة لتحديات الحياة.