كروية الأرض بين الشيوخ ورواد الفضاء
دار قبل أيام مقطع فيديو لأحد الدعاة المعروفين يجيب فيه عن سؤال الأرض، هل هي كروية أم مسطحة؟ كانت إجابة الشيخ بأنها ليست كروية ولا مسطحة، فهو ليس من أصحاب المقولتين، وذكر أن من يؤمن بكروية الأرض مثل وكالات الفضاء العالمية، ويقطع بكرويتها لهو من الكذب، وأكد أنه غير مؤيد لكل القائلين عن كروية الأرض أو من يقول إنها مسطحة وأن الجميع من كل الأطراف لا يملكون الأدلة القاطعة، والمسألة تحتمل كل الأقوال.
في هذه الأثناء تمت استضافة رائدي الفضاء علي القرني وريانة برناوي وقد أجابا على سؤال: هل الأرض كروية أم مسطحة؟ فكانت الإجابة من علي القرني: «الأرض كروية بلا شك، وهناك الكثير من الإثباتات العلمية والبحثية والفيزيائية» وأضافت ريانة برناوي: «شفناها كروية.. الأرض كروية». فمن ستصدقون: الشيخ، أم رائدي الفضاء؟
تذكرت هنا عالم الفلك والرياضيات الشهير البولندي كوبرنيكوس الذي عاش بين «1473 - 1543» عندما دق ناقوس الخطر على من سبقوه من أشباه المتعلمين، وقال: «إن الشمس هي مركز الكون، وإننا ندور حولها، وليس العكس، كما كان رجال الكنيسة في عهده يؤمنون، ولا يزال الكثير من أمثالهم يؤمنون. وإن كل النجوم والأجرام السماوية التي نراها تدور حول الأرض، هي في الواقع تبدو كذلك بسبب دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس، أي إن معلوماتنا ومعارفنا عن الكواكب والأجرام السماوية ما هي إلا أوهام. أما الحقيقة فشيء مختلف تمامًا» والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف تسنى لكوبرنيكوس أن يكون الوحيد في عصره، والأول في التاريخ البشري، الذي عرف تلك الحقيقة؟ والسؤال الأهم: ما حجم الأمور غير الحقيقية أو لنقل غير الواقعية في حياتنا، خاصة تلك التي لطالما آمن بها جدودنا كحقائق مطلقة، ثم أتى العلم وعصر التخصصات ليثبت خطأهم، ومع هذا ما زال بعض شيوخنا مُصرين، على رفض التخلي عن أفكارهم القديمة؟
لا شك أن الإجابة ستكون مقلقة، فالعلم، والعلم وحده، هو الذي أزال الغشاوة عن أبصارنا، وبيَّن لنا خطأ الكثير من المعتقدات والمسلَّمات في حياتنا، أقول ذلك بالرغم من الحقيقة أن البعض اختار «العمى والطرش» وتمسَّك بالخرافة حتى اللحظة. فالأرض بالنسبة لهم وحتى ما قبل نصف قرن، كانت مسطحة، ولأن عقولهم صغيرة لا تريد أن تستوعب العلم وأنها كروية، ولأنهم يتهيبون العلم قليلا، فالأفضل لهم أن يقوموا بنفي المقولتين، وهذا بالفعل ما حصل مع الشيخ، فالنفي يحتاج للدليل كما هو الحال في الإثبات.
عودة مرة أخرى للعلماء واكتشافاتهم فبعد العالم كوبرنيكوس، بدأ بعض العلماء يتجرؤون على إعلان مكتشفاتهم العلمية التي أخذت تدحض الخرافات الواحدة بعد الأخرى والتي كان يقتات عليها الكهنوت الكنسي في أوروبا. فأنشأت الكنيسة ما عرف بمحاكم التفتيش لإرهاب العلماء وإيقاف تمرد عقولهم غير المقدس عليها. وتمت محاكمة العالم الفلكي جاليليو، والذي تراجع عن إقراره بدوران الأرض حول الشمس، خوفًا من الحرق والإعدام. أما العالم برونو فقد رفض التراجع عن مقولته بأن ليس للكون محور محدد، وتم إحراقه حيًّا في إحدى ساحات روما. ولكن الاكتشافات العلمية في أوروبا أخذت تنير سماءها، وتهاوت الخرافات وسقطت الواحدة تلو الأخرى، ولم يبق لديهم من عقلية الكهنوت من يتجرأ بدحض هذه النظريات العلمية، أما نحن فما زالت بعض رواسبهم موجودة تظهر أحيانًا بألوان وأشكال مختلفة.