آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 5:50 م

لنكن أكثر تواضعاً وهدوءاً

غسان علي بوخمسين

خلال عملي في الصيدلية قبل فترة، كنت أصرف أدوية لأحد المرضى «عمره نحو 60 سنة»، بادرني بالتعليق على أحد الأدوية المصروفة «أنقله بالنص»: تدري أو ما تدري أن هذا الدواء proton pump inhibitors PPI «يقصد دواء اوميبرازول omeprazole يستخدم لتقليل إفراز حمض المعدة ومن أسماءه التجارية losec أو gasec وغيرها»، أنه يمنع امتصاص الفيتامينات والمعادن ويسبب نقصاً لها في الجسم، بس ايش اسوي؟ محتاجه لأن عندي مشاكل هضمية، ولازم آخذه.

حينها، تداعت عدة أفكار ومشاعر متداخلة في ذهني في نفس اللحظة.

أول هذه المشاعر هو الضيق والاستفزاز، فكيف يقول لي: تدري أو ماتدري؟ بصيغة التساؤل عن علمي من عدمه. هل أنا بحاجة له ليعلمني هذه المعلومات؟ ومعرفتي لها من صميم عملي وجزء من وظيفتي كوني صيدلي ممارس. فأنا مسؤول عن صرف الأدوية والتعليمات معاً، وعليّ استيعاب كل المعلومات الضرورية عنها، وأنا من كتب المقالات عن المعادن والمكملات وألّف كتاباً في الفيتامينات.

كذلك شعرت بالدهشة من سعة اطلاعه ومعرفته الدقيقة بأدويته، وهذا أمر يبشّر بالخير بأن الجمهور أصبح أكثر وعياً واطلاعاً من السابق وأصبحت المعلومة متاحة لمن أراد، بشرط معرفة الكيفية الصحيحة لاستعمالها.

كذلك شعرت ببعض الحيرة نتيجة صعوبة توقع أسئلة الجمهور، فمواجهة جمهور كثيف ومتنوع من مختلف الجنسيات والأعمار والمستوى الثقافي مثل الجمهور في المستشفيات، يتطلب جهداً كبيراً في القدرة على تلبية كافة الطلبات والأسئلة، والتحلي بمرونة فائقة في احتواء المشاعر كون المراجع مريضاً ويعاني وفي حالة نفسية سيئة في الأغلب الأعم.

طبعاً كل هذه المشاعر والأفكار دارت في رأسي خلال أقل من خمس ثوانٍ، ولم أحبذ الدخول معه في نقاش طويل، فهذا لا يفيد بل قد يضر ويضيع الوقت بلا طائل. فكل ما قلته له: الله يعطيك العافية والأمر كما قلت، يمكنك أخذه عند الحاجة فقط، والأفضل مناقشة طبيبك في الجرعة ومدة الاستخدام وبقية التفاصيل.

الدرس المستفاد من الحادثة، علينا جميعاً، أن نتحلى بالهدوء عدم التسرع بالانفعال وردة الفعل التي قد تكون غير مناسبة، ولا سيما في المواقف التي نظن أننا على صواب، وأننا أعرف من الطرف الآخر وأكثر علماً. فلا داعي للانفعال والتشنج لموضوع صغير لا يستحق.

فلنتحل بالصبر والتواضع والحلم والأناة في ردود أفعالنا وحكمنا على القضايا، خصوصاً في بيئة العمل والفضاء العام، فهذه الخصال والسجايا دليل على كمال العقل وسمو الأخلاق.