مشجرة النسب ومشروع النسب الجيني
يحظى علم الأنساب بعناية بالغة من المؤرخين والنسابة والمهتمين على امتداد التاريخ لضبطه وحفظه للنسب من اختلاط الأنساب وتحقيق المعرفة الصحيحة لجذور الأسرة اوالعشيرة وتفرعها ولكي لا يبقى النسب مجهولاً، وتسمى العائلة بالبلد أو الحرفة التي تزاولها العشيرة كما هو السائد في العوائل المتحضرة المعاصرة، وقد تسمى العائلة أحيانا بصفة فارقه لجد الأسرة، وقد تكون هذه التسمية غير محببة لدى الأسرة.
وقد صنف في علم الأنساب الكثير من الكتب، والتي منها كتاب ”نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب“ وكتاب ”تهذيب الأنساب ونهاية الأعقاب“ وكتاب ”معجم قبائل العرب“ وكتاب ”معجم قبائل المملكة“ و”جمهرة أنساب الأسر المتحضرة“ وكتاب ”كنز الأنساب ومجمع الآداب“ وكتاب ”الفخري في أنساب الطالبيين“ وكتاب ”عامود النسب الشريف“ وكتاب ”جمل من أنساب الأشراف“ والكثير من المصنفات التي ليس هنا مورد حصرها ولا يسع ذكرها.
قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: آية 13]
وقال النبي الأكرم ﷺ ”تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم“
ويذهب تفكير البعض إلى أن الاهتمام بمشجرة النسب للأسرة أو العشيرة بأنها موروث اجتماعي قديم كان موجوداً لدى القبائل العربية، وذلك لحفظ كيانها واسمها من الاختلاط والتشتت، والحقيقة أن الاهتمام بأصول وامتداد النسب نزعة إنسانية يعتني بها غالب الشعوب لشعور الإنسان بحاجة الانتماء إلى كيان اجتماعي ينتسب له ويعمق روابط الألفة وأواصر القرابة معه.
فلم يقتصر الاهتمام بمشجرة النسب على المهتمين بشأن أصول الأسرة أو العائلة أو القبيلة، بل تجاوز هذا المستوى الاجتماعي ليصل إلى أعلى مستوى من الاهتمام الاجتماعي لدى الشعوب، وتجلى ذلك في عصرنا الحديث من خلال المواقع الإلكترونية في شبكة النت التي تعج بمواقع التعرف على مشجرات أنساب الأسر عالمياً، بل إن هناك مواقع إلكترونية تعرض سلالات الأسرة من خلال علم البصمة الوراثية وعلم الأنساب بمقابل مالي وهناك من يدفع بغية التعرف على امتداد وتلاقي نسبه وأصول أسرته.
ويشار في أحد المواقع الإلكترونية المختصة بعلم الأنساب أن لديها مجموعة عالمية تقدر ب 19,4 مليار سجل تاريخي لأنساب أسر.
ويذكر أحد الأفراد تجربته بالاشتغال في جمع نسب الأسرة، ويقول إني كنت أحاول تجميع عائلتي معًا لأكثر من 35 عاماً، وللصعوبة البالغة التي تواجه المختص والمهتم بمشجرة نسب الأسرة في وقتنا الحالي لبناء مشجرة نسب عائلية بالطريقة التقليدية القديمة السائدة سابقاً، والتي تعتمد على جمع المعلومات التاريخية لأسماء الأجداد وربط الأجداد بالأبناء والأحفاد بالأجيال المتلاحقة، فقد لا يتوفر مثل هذه المعلومات إلا القليل منها لدى كبار السن، أو في بطون كتب الأنساب.
من هنا بات علم الأنساب الجيني الحديث وباستخدام تحليل الحمض النووي أو مشروع البصمة الوراثية أكثر سهولة وانتشارا في إثبات ارتباط وتلاقي النسب والسلالات الأسرية والتحقق من صحة روابط القرابة وربط العشيرة بأصولها وجذورها التي تفرع منها الأجيال.
ومشروع التحليل الجيني للعائلة ”Surname DNA project“ هو مشروع علم الأنساب الجيني الذي يستخدم اختبارات الحمض النووي للأنساب التي تتبع نسب الذكور، ويحصل من يجرون الاختبار على دوائر رسم بياني تبين المناطق التي يعود إليها أجدادهم، وكيف تجمعت شفراتهم الوراثية حتى وصلت إلى شكل معين، ومن المعروف أن لكل قومٍ بصمة وراثية خاصة تميزهم عن بقية الشعوب.
ومن خلال علم الأنساب الجيني يمكن معرفة أنماط الوراثة الجينية والتعرف على تكون الجينوم البشري من الحمض النووي، والمواد الوراثية الموجودة في الخلية وهناك نوعان من الحمض النووي يعتمدان على مكان وجودهما داخل الخلية وهما الحمض النووي DNA وDNA الميتوكوندريا «mtDNA».
ومشروع مشجرة النسب لعائلة الحمض النووي يتم بها تحليل الحمض النووي للأنساب، والتعرف على أيهما هابلوغروبس، ولما ينتمي إليه الجينوم ومجموعات هابلو هي مجموعات من الملامح الجينية المتطابقة، عادة بسبب أسلاف مشتركين، وتستخدم أبحاث الأنساب علامات وراثية في مجموعات هابلوغروب لتحديد درجة القرابة.
وعلى صعيد مشروع التحليل الجيني لبعض أسر الأحساء، فقد ذكر في كتاب ”عشائر آل بن فارس الأحسائي“ بأن عينة الفحوصات الجينية للعينات الجينية لكل من الشواف والأمير والهاجري والتحو بيّنت أنّ هذه العشائر تنتمي إلى القبائل الأزدية ومنها خزاع، لأنها كلها تحتوي على التحور الجيني الخاص بقبائل الأزد وهو 666، وكل ذلك يثبت بوضوح أن فارسا ينتمي إلى خزاعة الأزدي.
وتزايد في عصرنا الحاضر الاهتمام بمشاريع علم الأنساب الجيني، والتي منها مشروع الأحساء الجيني ومشروع الساحل الشرقي الجيني ومشروع القطيف الجيني، ومشروع الأحساء الجيني يهتم بمعرفة أصول سكان الأحساء، خصوصاً والمدن المجاورة ودول ساحل الخليج عموماً وهي منطقة غنية سلالياً؛ بسبب النتائج التي ظهرت من بعض الفاحصين ومع كثرة المشاركين ستتضح الصورة أكثر، وسيكون بالإمكان تكوين مشجرة أنساب وسلالات بالاعتماد على نتائج البصمة الوراثية وإعداد تقارير تثري علم الأنساب والهجرات القديمة.
ويعد مشروع الحمض النووي في العالم العربي أحد المشاريع التي تهتم بمعرفة التركيبة السلالية للعرب في جميع الدول العربية والقائم بهذا المشروع المهندس علي بن حسون الشحي صاحب كتاب ”الحمض النووي يكشف السلالة الجينية للعرب“.
وتأتي أهمية المشروع الجيني لتحديد السلالة البشرية التي ينتمي إليها مشجرات أنساب الأسر والتثبت من الأصل المتوارث من الأجداد أو تاريخهم العائلي الذي ينتمي إليه، والقيام بمقارنة نتيجة الحمض النووي للفرد مع نتائج أسرة معينة للتحديد ما إذا كان ينتمي لهذه العشيرة بالصفات الجينية الوراثية، ويتم التعامل مع شركة Family Tree DNA الرائدة والمشهورة عالمياً في هذا المجال.
ومشروع النسب الجيني الحديث يشكل رافداً مساعداً ومسانداً ومقوماً لعلم الأنساب التقليدي المنتشر لدى العرب والمسلمين، وربما يكون بديلاً عنها مستقبلاً، وتمتاز بياناته بأنها أكثر دقة، ويستفاد منها في تصحيح أخطاء النسابين وكشف حقائق جديدة في مشجرات الأنساب للعائلات والعشائر وسلالات الأجداد، فهل ستهجر الأسر مشجرات النسب التقليدية، وتكتفي بمشروع مشجرات النسب الجيني مستقبلاً؟؟؟