آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 2:09 م

مراجعة لكتاب محمد إقبال وتجديد الفكر الديني

جهات الإخبارية عرض: سلوى فاضل - كاتبة وصحفية لبنانية

يُعد محمد إقبال واحدا من أهم مفكريّ الأمة الإسلاميّة الذين لا يجب تناسيهم أو تجاوزهم، كونه جمع في شخصيته ما بين الأصالة والرؤى التي على الفكر الإنساني الاستفادة منها. فهو مُفكّر مشغول بالإصلاح الاجتماعي ومثقف ملتزم انطلق من الواقع بهدف الإصلاح.

وهذا النتاج - الكتاب مهم لكل باحث، إذ يضيء على بنى فكرية جديدة، ويسد فراغا لدى كل طالب وباحث ومهتم في المجالين الثقافي والفكري.

أجود نقد

ففي كتاب، الباحث السعودي زكي الميلاد، الذي يحمل اسم ”محمد إقبال وتجديد الفكر الديني“ نجد أنه يُقدّم كعادته صورة وافية عن مُفكر اشتغل بالفلسفة والشعر والنثر والفكر الإصلاحي. ف ”إقبال قدّم أجود نقد للثقافة الأوروبية“ بحسب الميلاد.

من هو إقبال؟

إقبال هنديّ الجنسية، ولد عام 1877 وتوفيّ 1938، نال أطروحة الدكتوراه بالفلسفة من جامعة ميونيخ الألمانية، وهو صاحب تاريخ حافل بالعمل الثقافي، وله العديد من المؤلفات، وكان مهتما بالوحدة الإسلاميّة بشكل واسع، حيث أنشأ جمعية تحت اسم ”جمعية الوحدة الإسلامية“.

ساهم إقبال بالعديد من الدراسات، إلاّ أن أبرز نتاجه كان كتابان تناولهما الميلاد في دراسته المهمة هذه، وهما ”ما وراء الطبيعة“ و”تجديد الفكر الديني“. الأول عبارة عن رسالة دكتوراه في الفلسفة، والثاني عبارة عن محاضرات ألقاها في أماكن متفرقة، وجمعها في كتاب. ولكن المشترك بينهما هو تعرّضه للفلسفة الأوروبية الحديثة.

بين الأصالة والتجديد

يُعتبر إقبال مُفكراً حاول التجديد من خلال أطروحاته التي استندت إلى الفكرين الأوروبي والإسلامي معاً، كغيره من المفكرين الذين أثرُوا الفكر الإسلامي بطروحاتهم التي استندت إلى الأصالة والتجديد معاً.

تأثر إقبال بالفكر الألماني في نهضته الحديثة، وهي المنبع الثاني للحضارة والفلسفة الأوروبية، بعد النهضة اليونانية التي تميّزت بأنها منبع الفلسفة الأولى.

لكن هل جاءت محاولته هذه لأجل إعادة النهضة الإسلامية إلى عزها؟ وهو الذي أثّر بالعديد من المفكرين العرب والمسلمين، منهم مالك بن نبي، ومحمد باقر الصدر، وعلي شريعتي، ومرتضى مطهري، وغيرهم من العاملين في الإطار النهضوي الثقافي العربي _الإسلامي.

لماذا؟

لكن يبقى السؤال الملحَاح: أين تأثّر المفكرين العرب المعاصرين؟ وهل يمكن اتهامهم بتجنّب ذكر إقبال كونه كان مفكرا إسلامياً في أساسات فكره وكتاباته؟ ولما تجنبته الدراسات العربية، بل حثت على تدريس مفكرين أوروبيين ليسوا بأكثر أهمية منه؟

إن تجهيل البيئة الفكرية والثقافية من أبرز مفكريها، يطرح السؤال الذي يفترض: هل المطلوب تنَاوُل الأوروبيين لمفكر إسلامي أو عربي ليُصار إلى إبرازه في جامعاتنا وأبحاثنا؟ وكم من باحث أُتيح له في المنهاج الجامعي الاطلاع على المُفكر والفيلسوف محمد إقبال؟

علماً أنّ الجميع يعرف ويسمع ويقرأ عن كل من رينيه ديكارت، وكارل بوبر، وجان بول سارتر، وديفيد هيوم، وباروخ اسبينوزا، وتوماس هوبز، وفريدريك نيتشه وغيرهم ممن ترجمت كتاباتهم إلى العربية بعدة ترجمات، وانتشرت نتاجاتهم في الجامعات!

ففي كتابه ”تجديد الفكر الديني“، وهو كتاب فكري بامتياز، نجد البُعد الفلسفي أكثر ما يُميّزه، حيث رفض إقبال الفلسفة اليونانية مُعتقدا بتفوّق الفكر الديني الإسلامي عليها عبر ربطه بالعلم الحديث من خلال المنهج التجريبي الواقعي، ومن خلال ضرورة سعيّ علماء الإسلام لإعادة بناء النظرية العقليّة.

الفصول الخمسة

ففي الفصول الخمسة للكتاب الصادر عن سلسلة أعلام الفكر والإصلاح في العالم الإسلامي التابع لمركز الحضارة في بيروت، والذي أعدّه الميلاد بإتقان، يستعرض في الفصل الأول منه: محمد إقبال ”في ما وراء الطبيعة“ إلى ”تجديد التفكير الديني“، والثاني ”إقبال وتجديد التفكير الديني في الإسلام“، أما الفصل الثالث فحول ”إقبال والفلسفة الأوروبية الحديثة“، والرابع ”إقبال والفلسفة الذاتية: الفكرة والمنابع والغايات“، والخامس ”مناقشات مع إقبال“، إضافة إلى مجموعة ملاحق ومصادر ومراجع تم خلالها تفصيل فلسفة عمداء النهضة الأوروبية الثانية.

ركز إقبال في كتابه ”تجديد الفكر الديني“ على معارضة القرآن لروح الفلسفة اليونانية، وهو يقصد بذلك إلى توثيق الصلة بين الفكر الديني الإسلامي والعلم الحديث والعالم الحديث، بهدف ربط الدين الذي هو أسمى بالنسبة إليه من الفلسفة.

رفع إقبال من قيمة الفلسفة الحديثة من أجل إعلاء شأن الدين الإسلامي، ومن أجل إعادة التوازن بين الغرب والشرق، فالفلسفة الغربية أعلت من شأن العقل، لكنها فقدت النزعة الروحية، مما أخلّ بالتوازن، والشرق بطابعه الروحي بحاجة للعقل للتوازن أيضاً.

أخيرا…

هذا الكتاب الغنيّ هو بمثابة ”التقاء المناقشات الفكرية والفلسفية من جديد بين الفلسفة الإسلامية والفلسفة الأوروبية الحديثة“، وهما الفلسفتان اللتان انقطعت الصلة بينهما بعد الفيلسوف ابن رشد، الذي ”كان نقطة التقاء وتفاعل الفلسفات الثلاث: اليونانية، والإسلامية، والأوروبية الحديثة“.