هل تدعو الفلسفة للقيم؟
سألني أحد الأصدقاء بحكم اهتمامي بالفلسفة هذا السؤال، هل تدعو الفلسفة للقيم؟
من اطلاعي المكثف في مباحث الفلسفة يتبين لكل مطلع على هذا الجانب الفلسفي، أن الفلسفة تركز بشكلٍ عام على الإنسان وأخلاقياته،
كما يعتبر التفكير الفلسفي فرصة لإنتاج مفاهيم وأفكار وأساليب جديدة تستخدم لمواجهة التحديات الأخلاقية والاجتماعية والسياسية التي يواجهها المجتمع الحديث. فالفلسفة تمثل فرصةً لتحليل القضايا ولتوسيع دائرة الفهم الخاص بنا، وذلك بالاعتماد على المنطق والمنطقية في التفكير، مما يؤدي إلى حل المشكلات وإيجاد الحلول الأفضل.
بالتالي، يجب أن يعد التفكير الفلسفي أساسًا لبناء مجتمع حيث يتم تقديم الأهداف الواضحة والتطلعات السامية، فليس هناك مجتمع مثالي يتطابق مع القيم المعتبرة عالميا، ولكن باستدامة بناء المجتمع سنتمكن من تحقيق الهدف الأسمى، وهو تحقيق الحياة الإنسانية القيمية التي أرادها الله سبحانه وتعالى لنا.
وعند الحديث عن العلاقة بين الفلسفة والقيم يجعلنا نتساءل دائما عن فوائد الفلسفة ومنافعها، والقيم التي يحملها التفكير الفلسفي، ويدافع عنها الفلاسفة. وبما أن فائدة وقيمة الفلسفة لا تتمثل فيما تقدمه من معرفة يقينية فذلك بلا شك مجاله الدين أو فائدة عملية فذلك مجاله العلم، وإنما تكمن قيمتها فيما تحمله من قيم فكرية وأخلاقية. وفيما يحدثه التفكير الفلسفي من بحث في قيم الحياة كالعدل والصدق والإخلاص والنزاهة والأمانة والاحترام والمساواة والحرية والتسامح وتقبل الآخر.
ويجدر بنا الإشارة والتأكيد على أن الفلسفة لا تدعو إلى قيم الشر والعنف والظلم، وإنما تدعو إلى قيم الخير بكافة تفرعاته الإنسانية،
لذلك، نجد أن الفلسفة تلامس الموضوعات الأخلاقية والاجتماعية، وهي تقترح طرقا للتأمل العقلي في هذه الموضوعات الهامة، وتبحث عن الحقيقة والمعنى العميق للحياة والوجود، وتحاول حث الإنسان على الفكر والتفكر في قيم الخير والإنسانية، وهذه القيم الجميلة والهامة هي ما يحملها التفكير الفلسفي ويدافع عنها.
حيث إن مفهوم القيم الإنسانية يمثل جزءاً هاماً من الثقافة الإنسانية الذي ينعكس بدوره في سلوك الأفراد والمجتمعات، ويشمل هذا المفهوم قيم الإنسان في نفسه ومجتمعه، مما يشجع الإنسان على العمل والتطوير والاستفادة من الحياة على نحو إيجابي، وكل ما يتعلق بالحياة اليومية للأفراد والمجتمعات لترسيخ نموذج سلوكي مثالي للخير.
وتعتبر القيم الإنسانية أساس المجتمع الصحي والمتماسك، فهي تساعد الأفراد على تحديد سلوكهم واتجاهاتهم وأهدافهم بطريقة جيدة، وتحرص على التشجيع على الفعل الصحيح ورفض السلوك الخاطئ،
وتعمل الفلسفة على تعزيز هذه القيم الإنسانية في المجتمع، وتحقيق التفاهم والسلام بين الناس، وتعزيز إنسانية الإنسان، وتساعد على حل مشكلات المجتمع، وتفتح آفاقا في البحث عن الإجابات لأسئلة الحياة، وتحثهم على التفكير النقدي والابتكار.
ومن خلالها، يمكن للإنسان التعرف إلى هويته الحقيقية، وتقدير المعرفة والتعلم، وصقل الشخصية وتنمية الذات، وتنمية الثقافة النقدية والفكرية للأفراد،
وبهذا يكون دور الفلسفة في ترسيخ القيم الإنسانية، هو تعزيز إنسانية الإنسان والسعي لتحقيق الاحترام والتعايش والاستقرار والرفاهية والسلام.
ولذلك، يجب على المجتمعات تعزيز وترسيخ هذه القيم من خلال العمل على تحفيز الأفراد للالتزام بها، والعمل على تفعيلها في كل مجالات الحياة،
ومن أهم المؤسسات التي يجب أن تعمل على ذلك هي المؤسسات التربوية والتعليمية، وذلك بتأهيل المعلمين والمربين على العمل إلى تأسيس هذه القيم في نفوس الطلاب والطالبات وتطبيقها في حياتهم اليومية، ومن خلال تنمية تفكيرهم يمكن تحويل هذه القيم العليا إلى مبادئ دائمة في حياتهم العملية والمهنية والعائلية.
ولا نغفل أن الديانات السماوية أيضا تحث على هذه القيم الإنسانية مثل العدل والحرية والإنصاف والرحمة والتسامح والتعاون، وتعمل أيضا على تحقيق التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع.
فعلى الرغم من أن القيم الإنسانية تتفاوت من مجتمع إلى آخر، إلا أن تأثيرها يظل متساويا في جميع المجتمعات، وتعتبر أساسا لتكوين شخصية الإنسان وتحقيق النجاح الشخصي والاجتماعي.
وبالتالي، فإن الفرد بحاجة إلى أن يتبنى القيم الإنسانية العالية، ويعمل على تطبيقها في حياته اليومية، وذلك للمساهمة في بناء مجتمع متماسك وناجح.
وعلى سبيل المثال تحدث الفلاسفة الكلاسيكيون كأرسطو عن أهمية الاعتدال فيما يتعلق بالقيم، وهناك فلاسفة آخرون يرون أن القيم الثانوية هي التي تعتبر أهم، فهم يرون أن الانتماء إلى مجموعة واحدة والتعايش المثالي فيها هي القيمة الأساسية التي يجب الدفاع عنها إن كانت تتسم بالعدالة والمساواة والحرية، كما ركزت فلسفة فريدريك نيتشه، على أن العالم الحقيقي يؤسس على الإرادة لإيجاد القيم ولتحقيق الإنجاز الجوهري في الحياة، بينما ركزت فلسفة إيمانويل كانط على قيمة الأخلاق وأولوية النيات والأهداف الجوهرية في حياتنا.
مما سبق نستطيع أن نحكم بأن الفلسفة تدعو بشدة للقيم الأخلاقية والمبادئ العليا في الحياة، فهي تهدف إلى فهم الواقع على نحو أفضل من خلال التفكير النقدي وإجراء حوارات معمقة حول الأسئلة الأكثر أهمية في الحياة، ومن خلال هذه الحوارات، تظهر القيم التي تدافع عنها الفلسفة وتعززها.
يمكننا القول إذا أن الفلسفة تدعو للقيم والمبادئ العليا، وتهدف إلى تحقيقها في حياتنا كما أرادها الله سبحانه وتعالى لنا في هذا الكون.