الخطيئة المعتادة...!
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ آل عمران «188».
أن تثني على نفسك بما ليس فيها، أن تسعى إلى نيل شكر على عمل قام به غيرك، أن تقبض على ثناء لجهد ليس لك، أن تطلب قيمة لذاتك أكثر مما تستحق وأن تنسب إليها أكثر مما تستطيعه وفوق ما تقدر عليه، أن تضع اسمك على ما كتبه غيرك، أن تعلق اسمك على جدار لم تبنه أنت، وأن تتحدث عن فضائل لم تبلغها أو ترتفع إليها، أو تدعي كرما لم تروض نفسك عليه، ولم تغالب شح نفسك لبلوغه..!. وهكذا كلما اتسعت المسافة بين عجز حقيقتك وطمع نيل الثناء الذي يستحقه غيرك، ولا ينتسب إليك.
إن زيفت حقيقتك أمام الناس، بالقدر الذي يجعلك أفضل وأطهر وأجمل، وإن اقترفت خطيئة «نسبة فضائل غيرك لك» أو خطيئة انتحال «أعمالهم» وإن لم تكن أنت حقيقتك وذاتك وأنت كما أنت بكمالك ونقصك، بحسناتك وسيئاتك! إن لم تكن هذا فلا تحسب هذه النفس ناجية من العذاب.. وينبغي أن تتيقن أن هذا العذاب أليم جدا..!!.
في القرآن الكريم قاعدة عامة لا يتوعد الله أحدا بالعذاب، ثم يصف هذا العذاب بالأليم.. إلا على «الكبائر»! على تلك الذنوب الرذيلة، والخسيسة التي يبغضها الله تعالى أشد البغض، ويمقت صاحبها أشد المقت، بالقدر الذي يتوعد بسببها بالعذاب بعد أن يحرم من كل أسباب الرحمة على سعتها، وبعد أن يطرد من كل أسباب المغفرة على شمولها..!.
لم تألف عقولنا في التربية الأخلاقية أن طلب الحمد والثناء على أمر لم نفعله يستوجب هذا القدر العظيم من «غضب الله ووعيده» وإن الله لا يخلف وعده، ولم نجبل على تعظيم الورع أمام خطيئة طلب الثناء على النفس..!. لم نعتد تصور أن «تعظيم الذات» أو السعي إلى المكانة عند الناس، أو طلب الحمد والثناء من خلال أعمال لم نعملها تستنزل هذا السخط العظيم، والطرد من رحمة الله الواسعة.
هذا أمر غامض المنبع في النفس، ولكن لكل موقف سبيل مؤد، ولكنه في كل الأحوال مفارق، إن كان الحمد والثناء بعد سعي مخلص، وعمل طاهر القصد سيجعله الله شجرة مباركة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أوكلها كل حين بإذن الله، وإن ابتغى الحمد والثناء والسعي إلى المكانة بنسبة أعمال الغير وتزييف الذات، جعلها الله تعالى زبدا يذهب جفاء، وينقلب الثناء ذما قبيحا ويناله حيا وميتا.
في نهاية الأمر إن ذاتك الحقيقية هي التي تصنع ذاتك الخارجية، وحين تبتغي ثناء على خير لم تفعله، فهذا يعني أنك قطعت الشوط الأكبر نحو النفاق.. والغياب عن حضور الله فيك وشهوده عليك.
خطيئة طلب الثناء عل الذات تورث ذلا حاضرا، وغالبا تبتلى بالفضح والخزي.
وفي الآخرة يكفي حضورها وحدها لتجعلك منبوذا ومطرودا من رحمة الله ومستحقا لعذابه الأليم.
في نهاية المطاف.. أنسب كل فضل إلى أهله، ولا تهب لنفسك كمالا لم تبلغه، ولا تصفها بخير لم يتلبسها، ولا تقبل ثناء على غير سعيك وكسبك وما جادت به نفسك إن هذه أم الفضائل وقيل هي أولها وآخرها أن ترتفع بحقيقتك وأن ترفعك معانيك.