تطوير الذات
عملية الارتقاء بالذات حجر أساس، لمواجهة مختلف التحديات الأساسية، باعتبارها مفتاحا لتجاوز الكثير من العراقيل، خصوصا وأن المصاعب الحياتية تتطلب امتلاك الكثير الأدوات، لمعرفة الآليات المناسبة للتعامل مع العراقيل، وبالتالي فإن الجمود وعدم تطوير الذات يمنع من التقدم، ويعطل السير بخطى ثابتة في مختلف الأصعدة.
تطوير الذات مرتبط بطبيعة التحديات، التي تواجه المرء في مسيرته الحياتية، فهناك مصاعب مصيرية تستدعي التسلح بمختلف أنواع الأسلحة، للوقوف بوجه تلك المصاعب الكبرى، فيما تتطلب بعض العراقيل اتخاذ الوسائل القادرة على التغلب عليها، نظرا لمحدودية تأثيرها على الحياة المستقبلية، وبالتالي فإن المعرفة الدقيقة لنوعية التحديات تشكل عنصراً أساسيا في تحقيق الانتصار في نهاية المطاف، لا سيما وأن الافتقار إلى الدراية الكاملة يولد الكثير من الحسرات، ويحول دون إدارة المعركة بالطريقة المثلى، ”يا كميل: ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة“.
قبول التحديات الحياتية، وعدم رفع الراية البيضاء تجاهها، يفرض انتهاج الطرق الكفيلة بخوض تلك المعركة بالطريقة الصحيحة، مما يستدعي البحث الدائم عن الوسائل القادرة على تحقيق الانتصار، خصوصا وأن انتقال المعركة الحياتية من مرحلة لأخرى، يستدعي وضع الآليات المناسبة للتعاطي مع المستجدات على أرض، بمعنى آخر، فإن الانخراط في مواجهة التحديات الحياتية، ليس كافيا للتغلب عليها، فهناك وسائل وطرق محددة قادرة على قلب الأمور رأسا على عقب، بحيث تقود إلى حسم المعركة والخروج بأقل الخسائر، وبالتالي فإن تطوير الذات عملية مستمرة، وليست مقرونة بمرحلة محددة، أو حقبة زمنية معينة، نظرا لاستمرار التحديات الحياتية في مسيرة الإنسان، الأمر الذي يفرض الاستعداد التام للتعامل مع مختلف المفاجآت والتطورات، التي تواجه المرء في مختلف حياته العملية.
رسم الهدف المستقبلي، والتحرك وفق خطوات مدروسة، وكذلك التعاطي بروح إيجابية مع المصاعب المختلفة، عناصر فاعلة في عملية الارتقاء بالذات، فالأهداف الكبرى تدفع باتجاه تحمل العراقيل على اختلافها، بحيث يتجلى في الكثير من الخطوات، وكذلك يظهر في عملية التعاطي مع الواقع الخارجي، فالتراخي وعدم الاستعداد يترك تداعيات سلبية، على قدرة الذات في تحمل الكثير من التحديات، الأمر الذي يقود لحالة من الاستسلام، والتوقف في منتصف الطريق، نتيجة الافتقار إلى الأسلحة المعنوية والمادية، القادرة على مواصلة المعركة، وبالتالي فإن ردود الأفعال السريعة وغير المدروسة لا تخدم المرء في الصراع مع التحديات المتعددة، مما يستدعي انتهاج الطرق المناسبة للوقوف بوجه المصاعب، والعمل على تطويعها لتكون جسرا، نحو التقدم والرقي على الصعيد الذاتي.
البيئة الاجتماعية تلعب دورا كبيرا في عملية تطوير الذات، فتارة تكون عنصرا محفزا في مشوار التقدم والازدهار، من خلال تقديم المساعدة اللازمة، وتسخير الإمكانات المادية والمعنوية، للتغلب على الصعوبات على اختلافها، وتارة تشكل البيئة الاجتماعية مصدر إزعاج، وعامل إحباط في صناعة الذات، من خلال وضع العراقيل الكثيرة، ونشر الثقافة السلبية، مما ينعكس بصورة مباشرة أو غير مباشرة على المعنويات، الأمر الذي يمهد الطريق أمام السقوط، والفشل في تجاوز العديد من الامتحانات الحياتية، وبالتالي فإن وجود البيئة الاجتماعية الداعمة يولد طاقة إيجابية كبرى، بحيث تقود إلى مواصلة المسير، وعدم الالتفات إلى الأشواك المزروعة في طريق التقدم والنجاح.
الاستجابة الواعية للتحديات، والقدرة على تصنيفها وفقا للأولويات، إحدى الأدوات الأساسية في عملية تطوير الذات، فالمرء الواعي يمتلك القدرة على إيجاد الحلول المناسبة، والابتعاد عن القضايا الجزئية، والتركيز على الملفات الكبرى، فالأزمات الرئيسية قادرة على الارتقاء بالذات، ”على قدر أهل العزم تأتي العزائم“، الأمر الذي ينعكس بصورة مباشرة على المكانة في البيئة الاجتماعية، بالإضافة لذلك فإن تصنيف القضايا يساعد في تحريكها بطريقة إيجابية، فكل أزمة بحاجة إلى أدوات خاصة لمعالجتها، فيما التحرك بشكل عشوائي يستهلك الطاقات الذاتية، ويعطل مشروع تطوير الذات بشكل مباشر.