آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 2:13 م

علي الدميني التميز الإنساني

جعفر الشايب *

لا يمر ذكره على أي من معارفه إلا وتختلط المشاعر الجياشة، بين الفخر بالمنجز الإنساني وبين الحزن على خسارة الفراق والبعد. إنسان عاش الحياة بكل تفاصيلها، حاملا مشعل التنوير أينما حل، ومتصالحا مع ذاته مع قدرة بالغة على التعبير عن أفكاره بسبل ووسائل إبداعية مختلفة ومتعددة، حيث لم يتردد في التعبير عن قناعاته الفكرية في كل مراحل حياته.

ما يميز هذه الشخصية السامقة - من وجهة نظري - أبعاد عديدة، تتجلى في مناح بارزة هي الخلق الإنساني الرفيع، والإبداع الأدبي المتميز، والعطاء الوطني المتواصل.

فإنك لا ترى الدميني إلا مبتسما، عطوفا، هادئا، متواضعا، لا تغيب النكتة الخفيفة والكلمة الطيبة عن حديثه، تمكن من صنع علاقات اجتماعية وإنسانية نبيلة وعميقة مع مختلف الأطراف، وحجز له مواقع مهمة في قلوبهم، حيث نال احترام الجميع، وأصبح قادرا ومتمكنا من الحوار الإيجابي مع كل من احتك وتعامل معه. جاء من أقصى الجنوب ليستقر في شرق البلاد، وأصبح من أهلها معرفة ومعايشة وعلاقة بالجميع. كان معياره الإنساني عاليا جدا، ولا يقبل التنازل عنه أو استبداله بأية معايير هامشية أخرى، وكان ناصحا صادقا مع الجميع، تختلف معه في الرأي، لكنه يقدر هذا الاختلاف ويحترمه بود ومحبة.

من ناحية أخرى، فإن انشغاله الإبداعي الأدبي الذي لم يكن ترفا أو اصطناعا، مكنه من أن يحجز له مقعدا بارزا في صفوف شعراء الحداثة في بلادنا، وكانت جميع أعماله الأدبية تعبيرا عن قناعاته ورؤاه، فقد كان شعره إنسانيا وعميقا ومؤثرا لأنه كان صادقا، ليس كما هو حال الكثير من الشعراء. يكتب حول الوطن ويأخذك معه إلى أعماق العلاقة به والارتباط الشعوري بمختلف مكوناته، وكأنه يعبر عن محبوبته التي يحن إليها ويفتقدها، ويضحي من أجلها.

وفي مجال عطائه الوطني، فقد نذر نفسه للعديد من المبادرات التي تعزز من مكانة الوطن من خلال منابر الحوار التي أشرف عليها، والعديد من البرامج الأدبية والإعلامية التي أوجدها وتحولت إلى منصات ثقافية جمعت المهتمين فيها وأفسحت المجال أمامهم للتعبير عن نتاجهم الفكري والأدبي. وهو طوال حياته، لم يتوان مطلقا من المساهمة في أي عمل وطني يهدف لتعزيز وحدة الوطن ولم شمل أبنائه في ظل قيادته الرشيدة.

إن الحديث عن تجربة الراحل علي الدميني في مختلف الأبعاد بحاجة إلى المزيد من التأمل وتسليط الأضواء عليها كي تكون نبراسا في الإنسانية ونموذجا في الإبداع الأدبي.