معارك مصيرية
الدخول في مواجهات حاسمة، يستدعي امتلاك الأدوات القادرة على الصمود في البداية، والقدرة على تحقيق الانتظار في نهاية المطاف، خصوصا وأن الأطراف المنافسة تحاول اقتناص الفرصة لتوجيه الضربة القاضية، وبالتالي فإن الانخراط في المعارك المصيرية دون إدراك خطورة الموقف وحساسية المعركة، يجلب الكثير من الانتكاسات والتعرض لخسارة كبرى، مما يجعل عملية النهوض صعبة للغاية، نظرا للآثار المترتبة على تلك الهزيمة الساحقة.
تحديد الهدف والعمل توظيف كافة الإمكانيات، والاستفادة من الظروف الراهنة، عناصر أساسية في الخروج نتائج إيجابية في المعارك المصيرية، خصوصا وأن الإدراك الكامل لأهمية تحقيق الانتصار، وعدم السماح بالأخطاء القاتلة تولد الكثير من اليقظة، وتقضي على التراخي أثناء المعركة، بحيث تظهر على الكثير من ردود الأفعال السريعة، خلال الجولات المتتالية للمعارك، بمعنى آخر، فإن ربط المصير المستقبلي بالفوز في المعركة المصيرية، يحفز للبحث عن الحصول الحلول، والابتعاد عن المعالجات المعلبة، نظرا للإدراك التام بخطورة وحساسية المرحلية الحالية، كما يستدعي التحرك بقوة لتجاوز مختلف العراقيل، وعدم الركون إلى الإحباطات على اختلافها.
وجود الإرادة الصلبة، والإيمان المطلق بالذات، وتسخير مختلف الظروف، وكذلك دراسة الموقف بشكل دقيق، عوامل أساسية في تهيئة الأسباب للفوز في المعركة المصيرية، فالمعارك المصيرية قادرة على رسم الحياة المستقبلية، سواء على الصعيد الذاتي أو الاجتماعي، الأمر الذي يفرض الإدراك لأهمية مثل هذه المعارك، فالنظرة السطحية والهامشية للمعارك المصيرية، تشكل بداية الانحدار والسقوط، بحيث تنعكس بصورة مباشرة على طبيعة الخطط التحضيرية، وكذلك كيفية التعاطي مع الحدث، وبالتالي فإن التعامل بوعي مع المعارك المصيرية، يحدث فرق كبير في جميع جولات المواجهة مع الخصوم، الأمر الذي يساعد في خلق المناخات المناسبة لتحقيق المكاسب، وفرض الاحترام على الطرف المقابل، خصوصا وأن إظهار الرغبة الشديدة في كسب تلك المعركة، ينعكس بشكل مباشر على نظرة الأطراف الأخرى، لطبيعة تلك المعركة المصيرية، فالاستخفاف وعدم إظهار الاحترام لنوعية المعركة القائمة، يعطي نتائج عكسية تظهر على فقدان المزيد من المكاسب، والخروج من المعركة المصيرية بخسائر كبرى.
الاستفادة من الظروف الاستثنائية المواكبة للمعركة المصيرية، ينم عن ارتفاع في مستوى الوعي، وقدرة على التوظيف، بما يصب في كسب المعركة في نهاية المطاف، فالمعارك المصيرية تمر بظروف عديدة بعضها صعبة، والأخرى سهلة، وبالتالي فإن التعاطي مع الظروف الصعبة يختلف عن التعامل مع مثيلاتها السهلة، فكل حالة تستوجب الدراسة المنفصلة، والعمل على إيجاد الحلول والمعالجات المناسبة، بحيث توظف بطريقة احترافية وغير ارتجالية، خصوصا وأن الأطراف الأخرى تتحرك للاستفادة من تلك الظروف، بما يعود عليها بالفائدة الكبرى، مما يستدعي القراءة الواعية لمختلف الظروف، وعدم التراخي في الاستفادة منها، انطلاقا من ”إضاعة الفرصة غصة“، و”الفرص تمر مر السحاب“.
المعارك المصيرية تتباين باختلاف الأهداف المرسومة، فهناك معارك ذات صبغة فردية، وأخرى ذات طبيعة جماعية، بالإضافة لذلك فإن المعارك تتباين في الانعكاسات على الصعيد الفردي، وكذلك على الإطار الاجتماعي، فكما أن المعارك قادرة على النهوض بالأفراد نحو القمة، فإنها سبب في السقوط نحو الهاوية، بالإضافة لذلك فإن المعارك المصيرية ذات الإطار الاجتماعي، تكون انعكاساتها كبيرة، نظرا للأثر الكبير الذي تخلفه في مختلف الشرائح الاجتماعية، مما يستدعي التفريق بين تلك المعارك، وكذلك العمل على وضع الأطر المناسبة، للتداعيات المترتبة على خسارتها.
بكلمة، فإن الصراع في المعارك المصيرية، عملية مستمرة في مختلف الممارسات الحياتية، بحيث لا تقتصر على حقبة زمنية، وإنما تمتد لسنوات طويلة، نظرا لوجود الكثير من التحديات التي تعترض طريق الإنسان، في مسيرته نحو تحقيق النجاحات على الصعيد الشخصي، وكذلك التحرك باتجاه احتلال موقع متقدم في البيئة الاجتماعية.