كسر المألوف
تحطيم التقاليد الاجتماعية السائدة، يحمل في طياته جانبا إيجابيا وآخر سلبي، فالأول يتمثل في الانتقال من حالة الركود والجمود إلى الحيوية والنشاط، وقطع الطريق أمام القناعات السلبية، خصوصا وأن هناك تقاليد اجتماعية ليست قادرة على التعاطي مع المستجدات، وأحيانا لا تنسجم مع الحقائق العلمية، مما يستدعي التحرك باتجاه إزالة تلك القناعات من الواقع الاجتماعي، من أجل فتح الطريق أمام الجميع للانتقال إلى العالم الآخر، فيما الجانب السلبي يتمثل في انتقاد جميع الممارسات الاجتماعية، ومحاولة نسف التقاليد القادرة على رسم مسارات واضحة على الثقافة العامة، خصوصا وأن التقاليد ليست سلبية بالمجمل، ولكنها ليست إيجابية بالمطلق، وبالتالي فإن التعامل مع التقاليد بنظرة سلبية يكشف حالة من القصور، وعدم القدرة على تحريك الأمور بالاتجاهات المختلفة، من أجل اكتشاف الصالح والابتعاد عن الطالح.
النظرة الاجتماعية لكسر المألوف تتابين باختلاف المرتكزات الفكرية، وكذلك طبيعة التفكير العام، فهناك شرائح ليست قادرة على استيعاب التحولات الاجتماعية المتسارعة، مما يدفعها لاتخاذ مواقف معارضة تجاه مختلف الخطوات الساعية، لإعادة ترتيب الأوراق في الواقع الاجتماعي، سواء بسبب الافتقار إلى الرؤية الشمولية القادرة على استيعاب مختلف التحركات الساعية، لتصحيح بعض المسارات على الصعيد الاجتماعي، أو نتيجة المخاوف غير الواقعية من الاتجاهات العامة، لإحداث بعض التغييرات الحاصلة، خصوصا وأن كسر المألوف يجلب معه بعض الانعكاسات على الصعيد الاجتماعي، مما يحرك الفئات المعارضة لمحاولة إيقاف عجلة التغييرات بمختلف الوسائل، من أجل الحفاظ على التقاليد السائدة وعدم السماح بالقضاء عليها.
كسر المألوف عملية تغييرية مستمرة في الغالب، خصوصا وأن المتغيرات الاجتماعية تستدعي التفكير في الكثير من الممارسات الاجتماعية، فالتقاليد السائدة في الحقب الزمنية السالفة ليست قادرة على الصمود أمام التفكير الحالي، خصوصا وأن نمط التفكير لدى الأجيال على اختلافها في تطور وتغير مستمر، فتارة يكون نتيجة صراع الأجيال في البيئة الاجتماعية، وتارة أخرى نتيجة التحولات المتسارعة على الصعيد الخارجي، الأمر الذي يساعد في إيجاد قناعات مختلفة في مختلف الأصعدة، وبالتالي فإن تعطيل ”المتغيرات“ الاجتماعية مرهون بسيطرة الجيل القديم، على مفاتيح التحركات داخل البيئة الاجتماعية، بيد أن إيقاف حركة التحولات الاجتماعية عملية صعبة للغاية، نظرا لوجود أطراف قادرة على إحداث اختراقات ملموسة في الثقافة السائدة، الأمر الذي ينعكس بصورة مباشرة في طبيعة النظرة تجاه التقاليد السائدة، والعمل على استبعاد البعض منها، والسعي لإيجاد البدائل القادرة على مواكبة المستجدات، وتجد قبولا لدى الأجيال الناشئة.
المعارضة العنيفة للقفز على المألوف من الأمور الطبيعية، خصوصا وأن الانتقال المفاجئ وغير المتوقع يواجه بعاصفة عنيفة من الانتقادات، الأمر الذي يتمثل في الوقوف بقوة في وجه مختلف التحركات الساعية، لتصحيح بعض التقاليد السائدة، حيث ينطلق المعارضون من مخاوف بعضها واقعية، والبعض الآخر ”وهمية“، فالانتقال غير المدروس يجلب معه الكثير من السلبيات، ويتسبب في حالة من فقدان التوازن، وعدم القدرة على إيجاد الطريق الصحيح، جراء الانتقال السريع والتحرك غير الممنهج، بيد أن تلك المخاوف يمكن استيعابها عبر استخدام الكثير من الوسائل القادرة، على الحفاظ على التوازن الاجتماعي، خصوصا وأن التقاليد المتوارثة تمثل اجتهادات بشرية فرضتها الثقافة السائدة، وكرستها الممارسات العملية، الأمر الذي يستدعي إعادة النظر فيها بما يتوافق مع الواقع القائم حاليا، فالعقول البشرية ليست قاصرة عن إيجاد البدائل الأخرى المناسبة، من أجل استمرارية التقدم والنهوض بمستوى التفكير الاجتماعي.
المألوف تارة يمثل رمزا اجتماعيا وهوية راسخة، باعتباره جزءا من التفكير الاجتماعي القائم، وتارة يكون وبالا على البيئة الاجتماعية، باعتباره ممارسات لا تستند على حقائق علمية، مما يستدعي إيجاد الوسائل المناسبة، لإعادة الأمور للمسار السليم.