سلام عليك يا ناصر.
أيها الضيف الكريم، سماحة وطيب المعشر، مرحبًا بك. أنت مبتسم متألق تحية الجميع على السواء. تحايا حب ومراحب قلب وزعتهما لكل من يألفك منذ اللحظات الأولى. يا سيد الطيبة، أنت طيب من نسل الأطياب، كريم النفس، سخي السلام في البعد والقرب. من عاشرك أو اقترب منك لمس معدنك الأصيل. وفيك يا شهم تجلّت الشجاعة والرحمة. لم يرَك المقربون يوما عابس الوجه أو مقطب الجبين، بل كل أسارير الفرح مرسومة على تعابير وجهك بحسن الاستقبال. تحية من يأتي إليك بجمل خفيفة على لسانك عرفناك بها ”يا حيا الله من يانا“ وترددها ”هلا ومية هلا“، وحين يأخذ الحديث شجونه تلقى على الجالس تحية جياشة ”خلف أبوي أنت“.
سوالفك تأسر القلب، لا جدال لا محاججة، لا غلبة رأيك على رأي الآخرين، لطف وقهقهة في الكلام وفرفشة في البداية والختام. وحين يعجبك قول أحدهم تكافؤه ”يا عسل أنت“ متبوعة بضحكات. وحين ينفض الجلاس، يحمل كل واحد منكم مسك طيبة وبهجة وانشراح، وحتى لو كان به كدر، يزول. صدى كلماتك يرن في الآذان: ”خذ الدنيا ابساطة، لا تشيل هم“. صحيح يا ناصر، السعادة هي العيش ببساطة، ومن جاور السعيد حتمًا سيسعد. كنا سعداء في حضورك الأسري برغم ما ألم بك من مصاب، فأنت ملكت القلوب وأسرت الأنفس بطيبتك اللامتناهية، ما حالنا اليوم بعد الغياب، إلا الصبر والسلوان.
وماذا عساي أن أقول في ذكراك والذكرى مؤرقة، سأداري الحزن وأكفكف الدمع، سأرتحل طاويًا عقودًا مضت من أعمارنا، سأرجع لأكثر من خمسين عامًا للوراء. كيف أبصرك الرفاق فتا تحب مداعبة المستديرة بعفوية بالغة، ينثال الإعجاب تصفيقًا وهتافًا كلما عدوت بالكرة بمهارة عالية، فقد تملكتها وتملكتك، عشق متبادل منذ الصغر لعب مع الأصحاب على ساحة السنابس حينما يكون الماء جزرًا، حفاة والحماس يأخذكم بملوحة البحر، لا صافرة ولا حكم، والمرمى علامة من جريد نخل أو كوة من رمل مبلل. فرحتكم باللعب لا تضاهى، يتوقف الردح حين يعبر أباك حاملاً على كتفه خيرات البحر. الشاطئ والبحر هما الشاهدان على بداياتك الأولى والحال ينطبق على ربعك والخلان.
حين بلغت التاسعة عشر من عمرك، أعلن تسجيل نادي الهلال رسميًا عام 1971 ليتحول بمسماه الجديد إلى نادي النور بسنابس، وتبدأ صفحة جديدة، يهب الشباب بطاقات متقدة لدعم عجلة النادي في جميع الألعاب والأنشطة المختلفة، رياضية وثقافية واجتماعية.
بروزك الكروي أهلك من درجة الشباب مباشرة للفريق الأول، لاعباً أساسياً في أغلب المباريات، وينصرف عنكم اللاعبون القدامى بعد أن كبروا في السن، ومن ضمنهم ابن عمك أبو عبد الخالق عليوات. لكنك مستند على أصحابك المقربين لقلبك المعروفين بفريق شرق، محمد علي تلاقف، عيال الدولة «حسن وعباس»، أبو جلال علي رضي ابريه، حبيب ابريه نصر ابو عبدالله، فضل آل سالم، حسن الأبيض، عبدالله الكواي، عباس جواد، ميرزا الحسن محمد زريع، حبيب رمضان. ومستجلباً أبناء أختك أحمد وعبدالله، أبناء علي العبندي وزوج ابنة أختك أحمد العصيص أبو هشام، وصديقك أحمد الطوال.
كانت بداياتكم في الدوري متعثرة والهزائم مثنى وثلاث ورباع، وبعد مرور خمس سنوات عجاف، جاء دوركم وأصبحتم أسياد اللعبة، رحتم تكتسحون الفرق تلو الأخرى مثل خيول جامحة، لا أحد يقف في طريقكم. حينها يا ناصر، كنتم أحسن فرقة أخرجتها جزيرة تاروت، ليس هذا فحسب، إنما على مستوى محافظة القطيف، والدليل صعودكم لمصاف الدرجة الأولى عام 1979م وأيضًا مقارعتكم للكبار في مباريات كأس الملك، واعتبرت يا ناصر صاحب أول هدف في ملعب الملز بعدما غطي بالعشب الصناعي ضد فريق الرياض.
يتناهى لسمعي تلك الصيحات «ناصر.. ناصر.. ارفع ارفع»، رفعاتك خطرة موزونة بل قاتلة، قذفتها الرؤوس أهدافاً في مرمى الخصوم، ولك نصيب وافر من تلك الأهداف بفضل تسديداتك القوية التي لا تصد ولا ترد. كم لي من المواقف المبهجة والذكريات العطرة معك في رحاب مدرسة الإمام مسلم، كنا زملاء لسنين خلت، بل إخوة، والذاكرة حافلة بالمشاهد والصور.
يا ناصر، استوحشتك الأيام بعدما رحل أخيك أبو فلاح وأختيك أم لقمان وأم أحمد العبندي وبعض الأقارب، برغم ما ألم بك من حسرات على فراق الأعزاء، رأيناك صابراً محتسباً لله، مؤمناً بقضاءه وقدره، أي نفس أنت حاملها بعدما صار السرير الأبيض ملازماً لك طوال الوقت مثل ظلك، تقابل من يفد إليك بأجمل ترحيب وكأنك فتى لم تزل.
كم داعبتك ترويحاً بنغمة العندليب، كررتها عليك بالأمس: ”ناصر ناصر.. نااااااصر وكلنا حواليك“، وأنت تعرف معنى الاستعارة، تتبسم لي وكأني أراك ذاك الشاب الذي لم يخطه الشيب ولم يعجزه المرض.
أعبر بين زمنين، أول مرة رأيتك فيها عام 1392 هجرية، يصيح عليك الصحب: ”ناصر ناصر.. ارفع ارفع“، وفي الشهر ما قبل الأخير من عام هذا 1444، نبصرك مرفوعاً بين أكف الأحبة لتسكنك في مستقرك الأخير.
يا ناصر، نم قرير العين، فلديك أولاد وأحفاد وأقارب وأصحاب خلص، رحلت عنهم ولم ترحل، فهم يحملون سيرتك الوضاءة في أبهى صور.
يا بهي الطلعة، يا حلو المعشر. أنظر ليدي كم مرة صافحتك؟ بحسرة، الآن أفتقد دفء كفك، تلويحة بنبض القلب، سلاماً عليك يا ناصر، بن علي عليوات يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حيا.