هل أصبحنا عرضة لمجتمع الفرجة؟
المتأمل في واقعنا اليوم يعي عروج الناس نحو اللحظات السريعة، ولفت الانتباه عبر التمظهر بملبسها، وطريقة أكلها، أي أسلوب الحياة الذي يتظاهر به الناس. إذ لا يمكننا الغفلة عما أتاحته وسائل التواصل الاجتماعي من إفرازات عديدة، ربما العديد منها لا يفي بالغرض، بمعنى أنَّ نسبة كبيرة منها لا تقدم ما يفيد الإنسان. أصبح ما يظهر في وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الإعلام اليوم، هو غذاء الإنسان الحديث، يُشّكل نمط تفكيره بشكل كبير. وسائل التواصل الاجتماعي اليوم أخذت منحى واسعاً جداً، بل أصبحت أشبه بالموسوعة، لكنها موسوعة تُنشر فيها العديد من التُّرَّهات.
لذلك يحق للإنسان أن يتساءل عن ما إذا كان هذا الأمر سيزداد مستقبلاً أو ينخفض، إذ من الملحوظ أنَّ ما يُنشر عبر هذه الوسائل اليوم «غالبها لا يفي بالغرض» تُضلل وتلغي أهمية التفكير، بل قد تصبح فكرًا لا يفكر كما يشير عبد السلام بنعبد العالي في كتابه «الكتابة بالقفز والوثب»، إذ أشار لتأثير الإعلام ووسائل التواصل بوصفها مؤثراً على نمط تفكير الإنسان. يقول في كتابه: مأساة عصرنا، ومأساة البلاهة، لا تكمن، إذنْ، في كونها لا فكرا، وإنما في كونها لا فكرا يفكِّر، فهي لم تعد ذلك الجهل الذي قد يُتدارَك عن طريق التربية والتكوين، ولا فراغ الفكر الذي قد يملؤه الانفتاح على السؤال، وإنما غدت تقدِّم نفسها على أنها فكر، بل كلُّ الفكر، من هنا اكتفاؤها بذاتها وصلابتها وتجذُّرها، خصوصاً عندما ستزداد الأفكار الجاهزة ذيوعاً مع انتشار وسائط الإعلام وتقدُّمها، وعندما تعمل ”الصورة“ في مجتمع الفرجة، على مخاطبة ملكاتنا جميعها واستثمارها في غرس ”البلاهات“.
مجتمع الفرجة يمقت التفكير الفلسفي، لأن التفكير الفلسفي مزعج، مزعج لأنه بالضد من الجهل، الجهل عدو الإنسان. عندما يتفشى الجهل، وتصبح وسائل التواصل ومنصات الإعلام غذاء الإنسان، بل تصبح إطاره الفكري، معناه الإنسان غادر ملكة التفكير، أي التفكير الفلسفي، ووقع في الجهل، جهل التخلف. إذ يصبح الإنسان خلفَ ما يُبث في الشاشات، ينجر خلف الإعلانات، مجرد مُستهلك لِما يتم الترويج له، لذلك يجب علينا البحث عن حلول معالجة وإعادة صياغة للإطار الفكري، الذي أصبح سلعة تحت وراء الإعلانات والمعلومات الزائفة.
مقال غرضه التساؤل عن قيمة الفكر، الذي أصبح مخزن معلومات، وفاقدًا للحس النقدي، أي عبارة عن فكر يملؤه ما يُروج من أخبار، إعلانات، أحداث. تداول المعلومات الزائفة، وصف علاجات طبية خاطئة، الالتفات نحو التمظهر «التغييرات الجسمية كمثال»، معناه يتحول المجتمع إلى مجتمع الفرجة، أي الذي يفكر مما يُنشر في الوسط العام ووسائل التواصل ومنصات الإعلام.