الطموح الأعمى
التحرك دون رؤية يتسبب في العديد من المشاكل، فالتداعيات لا تقتصر على الإطار الشخصي، ولكنها تصيب المحيط القريب، بشظايا تلك الخطوات غير المدروسة، الأمر الذي يخلق أزمات على الصعيد الشخصي، وتوترات داخلية على الإطار الاجتماعي، خصوصا وأن إحداث خرق للجدار الاجتماعي تكون آثاره عميقة في بعض الأحيان، مما يستدعي تجنب الدخول في متاهات غير واضحة، والحرص على اتخاذ الخطوات القادرة رفع الوعي الذاتي، وإبعاد البيئة الاجتماعية من المخاطر والأزمات على اختلافها.
الطموح غير الواقعي أو المعاكس للإمكانات الذاتية، يخلق العديد من التداعيات السلبية، لا سيما وأن الطموح غير المنضبط يولد حالة من الغموض، والانزلاق نحو الهاوية، بحيث تكون الضحايا كثيرة جراء دخول أطراف عديدة في الخسائر الناجمة، سواء نتيجة الانخراط المباشر في تلك الطموحات الخطيرة، أو بسبب الفشل في تحقيق تلك الطموحات غير الواقعية، بمعنى آخر، فإن السير وراء الطموحات ”السرابية“ يكشف انعدام الواقع، وغياب القدرة على الاختيار المناسب، خصوصا وأن التوازنات الاجتماعية والظروف الخارجية تفرض واقعا على الجميع، مما يستدعي التحرك وفق تلك المعطيات، وتجنب إحداث أزمات ليست مناسبة، من أجل تحقيق طموحات يصعب تطبيقها على أرض الواقع.
رسم الطموحات الواقعية، والابتعاد عن الأحلام الخالية، ينم عن قدرة على القراءة السليمة، والتحرك وفق الإمكانيات المتاحة، لاسيما وأن هناك العديد من الأحلام يصعب الاقتراب منها فضلا عن تطبيقها، سواء نتيجة عدم قدرة البيئة الاجتماعية احتضانها، والعمل على ترجمتها على الواقع الخارجي، أو بسبب الآثار التدميرية الناجمة عن الانخراط في تلك الطموحات، الأمر الذي يتطلب التفكير مليا قبل اتخاذ الخطوات، لتفادي الفشل من جانب، وعدم الدخول في مواجهة مباشرة مع المجتمع من جانب آخر.
امتلاك جزء من الساحة الاجتماعية ليس مبررا، لإدخال المجتمع في أتون مغامرات تدميرية، فالفئات الاجتماعية على اختلافها ليست معنية بالطموحات الشخصية، بقدر تطلعها نحو المزيد من التقدم والازدهار، فالمجتمع يتحرك وفق المعطيات على الأرض، ويعمل على الانسجام مع مختلف الخطوات، ذات الأثر الفاعل على الصعيد الخارجي، بحيث تبرز على أشكال متعددة بعضها مرتبط بالتكوين الثقافي، والبعض الآخر بالمرتكزات الإنسانية، وبالتالي فإن المراهنة على السيطرة على جزء من الساحة الاجتماعية، لممارسة بعض المغامرات غير المحبذة، تكون آثارها غير محسوبة النتائج في أحيان كثيرة، خصوصا وأن ردات الفعل تجاه تلك الخطوات غير المحسوبة، تكون متفاوتة سواء من لدن الشريحة الاجتماعية الداعمة، والفئات الاجتماعية غير المؤيدة، الأمر الذي ينعكس بصورة مباشرة على مستقبل البيئة الاجتماعية في نهاية المطاف.
محاولة تسويق تلك الطموحات بطرق متعددة، وتخصيص مساحة واسعة للتضليل، أو تبشير بأهمية تلك الطموحات في المستقبل، من الممارسات المألوفة عند الشعور بانسحاب البيئة الاجتماعية، ووجود اعتراضات على طريقة التحركات غير المستساغة، من لدن العديد من الفئات الاجتماعية، بحيث تعمد الماكينة الإعلامية للترويج لبعض الخطوات المتخذة، كونها الوسيلة المثالية للوصول إلى النجاح، والحصول على الكثير من الإنجازات، بهدف إزالة حالة التوجس والقلق من لدى بعض الشرائح الاجتماعية، بيد أن النتائج مرهونة بالقدرة على التسويق الاحترافي، ووجود قاعدة شعبية قادرة على التفاعل مع تلك الخطوات، وبالتالي فإن سياسة تسويق الطموحات بمثابة استجداء، لا تصب في صالحها أصحابها أحيانا، بقدر ما تكشف حالة من التخوف من فقدان الكثير من الرصيد الاجتماعي، نتيجة الانخراط في ممارسات ليست مضمونة النتائج.
غشاوة الرؤية تمنع من اكتشاف الأمور بالطريقة الصحيحة، مما يدفع لاتخاذ قرارات خطيرة على الصعيد الشخصي، الأمر الذي يتمثل في فقدان الكثير من المكاسب، والدخول في مسار الخسارة التدريجية، نتيجة الإقدام على خطوات غير مدروسة، تترك آثارا سلبية على صورة أصحابها، بحيث تنسحب على قناعات العديد من الفئات الاجتماعية، مما يولد حالة من النفور، وعدم الاقتناع، جراء الخشية من الانعكاسات المستقبلية، نتيجة الإصرار على السير قدما في تبني تلك الخطوات.