آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

ماذا بعد القراءة للكتب

يسعى الكثير من محبي القراءة إلى أن يكون ضمن الشريحة المثقفة المتميزة، ويسارع إلى جمع واقتناء أمهات الكتب، ويدمن قراءة كل جديد، ولا يفوت الحضور والتواجد بمعارض الكتب المحلية والدولية، إلا أن الندرة من هواة القراءة من يجعل لهذه القراءة الدؤوبة هدفاً خلفها يتحقق أو مشروع يبنى. والقلة من المثقفين من يخطط لما بعد القراءة والاطلاع، ولا يضيع جهد القراءة لسنوات طوال، وتكون القراءة من أجل هدف يتحقق في أرض الواقع، وليس القراءة للقراءة وحسب.

وينتقد البعض من النخبة المثقفة المجتمع بأنه عازف عن القراءة، وليس لديه توجه واهتمام بقيمة التعلم، ويسلك سلوك العقل الأمي ”من يرفض القراءة والتعلم“ والمشاهد في الميدان الاجتماعي أن كثيراً من المجتمعات العربية تهتم بالقضايا الترفيهية أكثر من قضاء الأوقات في الجدية والتعلم، ولا تميل لحب قراءة الكتب.

وتتعدد الأسباب التي لها ارتباط رئيسي في عزوف أغلبية المجتمع عن الرغبة عن القراءة للكتب، وعلى وجه الخصوص فئة الشباب التي لها قيمة مؤثرة في بناء تقدم المجتمع.

فعدم رسم مشروع لما بعد القراءة أحد أهم الأسباب لعدم رغبة الكثير في القراءة على اعتبار أنهم يرون بأن القراءة لا يمكن أن تضيف أي فارق يعتد به في المستقبل وأيضا لغياب النماذج الحية لقراء حققوا نجاحات يشكل أحد الأسباب المؤثرة في عدم وجود جيل قارئ ومطلع على تراث الأمم والمجتمعات الإنسانية.

ومن الأسباب الاجتماعية الشائعة لعزوف الجيل المعاصر عن القراءة أن الآباء ليس لهم دور وتوجيه في تربية وإنشاء الطفل القارئ وتحبيب الاطلاع على الكتب واقتنائها.

ويتساءل الكثير من شريحة المجتمع من فئة الشباب ماذا سوف أحقق من وراء القراءة والاطلاع على مصادر الكتب، هل سوف يتحقق لي الثراء أو التمكن من تأمين المعيشة أم أنني فقط أكون مثقف ولدي كم من المعلومات.

ويأتي هذا المقال ليبحث مستقبل ما بعد القراءة، وماذا حقق بعض القراء المواظبين على ورد القراءة اليومية من نجاحات في تحقيق مراكز وظيفية واجتماعية مرموقة يعتد بها، فهل هناك مشروع لما بعد القراءة يمكن أن يتحقق؟

فحينما نتأمل بعض السير الاجتماعية في التاريخ المعاصر، فإن هناك شخصيات ناجحة صقلت مهاراتها العقلية والفكرية عبر القراءة والاطلاع الواسع، وهذه النماذج وصلت إلى أعلى المراتب والمراكز الاجتماعية فعلى سبيل المثال كان كسنجر هنري قارئ نهم وشغوف بقراءة الكتب، فقد نجح أن يشغل منصب وزير ومستشار ومفكر.

وكذلك بيل غيتس، الرجل الذي أطلق مايكروسوفت كان يقرأ 50 كتاباً سنوياً، والنتيجة أنه أصبح ثاني أغنى شخص في العالم، بما يعادل كتاب كل أسبوع، وينشر على مدونته قائمة نصف سنوية بأفضل 5 كتب قرأها ليستفيد منها جمهوره، أما مارك زوكربيرج، فأنشأ في عام 2015 ناديًا للكتب قدم من خلاله توصية لكتاب كل أسبوعين لملايين من متابعيه، فيما أعلن الثري المعروف وارين بافيت أنه يقضي معظم وقته في القراءة والتفكير «80%من يوم عمله».

وأشار ستيف سيبولد في كتابه“كيف يفكر الأغنياء ”لفتة تنبيه“ حيث قال إن من أول الأشياء التي تصادفك عند دخولك منزل شخص ثري، هو مكتبة ضخمة تحوي عديداً من الكتب التي يستخدمها لتثقيف نفسه، حول كيفية تحقيق المزيد من النجاح.

وبدءًا من توماس أديسون ووصولًا إلى مارك زوكربيرج، ستجد أنهم كانوا يدأبون على القراءة، لذا فإن هناك الكثير من رجال الأعمال الذين تأثّروا بالقراءة، بل كانت القراءة بالنسبة لهم“الإلهام”الذي مكّنهم من النجاح.

ويتصدر مؤسس أمازون «Amazon» جيف بيزوس قائمة فوربس لأغنى الأشخاص في العالم لعام 2020، وقد ساهم رجل الأعمال الموهوب في تغيير عالم التجارة الإلكترونية إلى الأبد، وهو يمتلك حاليا ثروة قدرها 117 مليار دولار، وقد دفعه شغفه بالكتب والمطالعة إلى تأسيس أمازون، حيث نسب بيزوس في عدة مناسبات نجاحه إلى تأثره العميق ببعض الكتب التي قرأها.

وقيل في الأثر ”منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا“

وعلى صعيد مجتمعنا المحلي، ومن خلال التتبع لعدد من قراء الكتب المواظبين على القراءة اليومية تم رصد تدرجهم لما بعد القراءة من القراءة إلى تأليف الكتب حتى امتلاك مشروع مكتبة لبيع الكتب.

إذا نستنتج بأن للقراءة تأثيراً مباشراً في إيجاد الفارق المعرفي على المستوى الشخصي، ولكن يبقى تحقيق وتوظيف المعلومات والأفكار إلى سياق تطبيقي وعملي يترجم لمكتسبات لما بعد نهم القراءة الدؤوبة.

وطالما غرست القراءة أفكارا في رؤوس مبدعين، وتطورت إلى اختراعات جديدة، بداية من برنامج ”إيرث“ في رواية ”الانهيار الجليدي“ لنيل ستيفنسون، الذي استُلهم منه تطبيق ”غوغل إيرث“، إلى الهواتف التي لديها القدرة على الاستشعار في رواية آرثر سي كلاركس، التي قادت تيم بيرنرز لي، لاختراع الشبكة العنكبوتية العالمية.

وهذه عينات من المجتمعات الإنسانية تم ذكرها بإيجاز تؤكد بأنه يمكن استثمار القراءة المستمرة وتوظيف الأفكار لمشروع ناجح لما بعد القراءة.

وقال الشاعر ”أحمد شوقي“

‏العلم يبني بيوتاً لا عماد لها، والجهل يهدم بيوت العز والكرم..

وقال ”الجاحظ“ الكتاب هو الجليس الذي لا يطريك، والصديق الذي لا يقليك، والرفيق الذي لا يَمَلَّك، والجار الذي لا يستبطئك، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملق، ولا يعاملك بالمكر، ولا يخدعك بالنفاق.