السعي والقناعة والشكر
هل صادفت يوما ما شخصا ما أو أشخاص شاركتهم بصورة أو مقطع فيديو من سفرتك أو احتفال يوم ميلادك أو صور لرحلة لك بهدف نشر البهجة في نفوسهم من شاركتهم وتحفيز نمط حياة إيجابي لديهم وإطلاق جذوة نقاش نافع معهم. فجاءك الرد بالقول من بعضهم: أنت محظوظ ثم أخذ يندب حظه في نفسه أو عياله أو وظيفته أو وضعه؟
إذا صادفت مثل أولئك الأشخاص، فاعلم أن أولئك النوع من الناس يعولون كامل تعاستهم في حياتهم على الحظ وعلى الآخرين، ولا يبادرون بالسعي الجاد في تصحيح أفكارهم، ولا يحاسبون أنفسهم على كسلهم، ولا يربون ذواتهم على استنهاض الهمة والمثابرة والإصرار والانضباط لصنع الأفضل في حياتهم والتغيير نحو الأجدى لمصالحهم. ولذا عند رؤيتك لأي شخص من حولك يندب حظه ليل نهار بشكل مقزز ومفرط وسلبي، فمن الأجدى بعد بذل النصيحة له، تجنبه واعتزال أثره وعدم مشاركته أي شي عن شخصك أو نشاطاتك أو سفراتك أو نجاحاتك.
على الجهة الأخرى، تذكر أنك إن رأيت أحد الأشخاص يشاركك فقط وفقط أخباره السيئة من موت ونزول أمراض وتعثر سداد وخسارة أسهم، ولا يشاركك أخباره الطيبة من أفراح وأنشطة ومواليد فاعلم أنه يستخدمك مكب ومردم لأخباره السيئة ومتنفس له من ضغوط نفسية عليه، وإن ادعى بأنه صديق أو زميل أو مربي أو متحدث أو ناشط اجتماعي.
ولعل من الجيد تذكير أولئك الأشخاص وعموم الأشخاص بضرورة استحضار الآيات القرآنية التالية لاستنطاق القناعة بما قسم الله والشكر لله والسعي الدؤوب للأفضل:
1 - ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾ [طه: آية 131]
فالشخص الذي لا يضيع نفسه لا يكثر التلفت يمنة ويسرة، وإنما يركز بصره وبصيرته وعقله وطاقاته ليصل إلى أهدافه النبيلة.
2 - ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: آية 39]
الله يحاسب الإنسان على مقدار سعيه، وليس بالنتائج؛ وعلى ذلك فالإنسان مُطالب بالسعي والكدح والمثابرة واستعمال العقل. والنتائج توفيق من الله وبيده. وهذا الشعور والمفهوم يخلق عين الرضى والقناعة في نفس الإنسان.
3 - ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: آية 7]
الشكر لله يستوجب استحضار الله وبصماته في القلب والعمل والنفس. كما أن ذاك العمل يؤصل الاستمرار في رحلة العمل والعطاء والإنتاج ورفع الكفاءةً. فبدل انشغال الإنسان بالمقارنة مع الآخرين، ينشغل بمقارنة أدائه بين الأمس واليوم بشكل مستمر لينجز أكبر قدر ممكن من العمل.
المجتهدون والمثابرون ليس عندهم وقت للتندر وجلد الذات الدائم؛ لأنهم يمضون للأمام دائما، وإن تعثروا في بعض التجارب، أو أخفقوا في بعض المشاريع. تذكير بعضنا للبعض أن يبذل كل شخص متطلع وطموح جهده وطاقته في أوج شبابه وذروة خبرته ليتفادى الندم والتحسر على النفس بعد حين.