آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 1:05 م

الحياة تعجّ بالصدف

عبد الباري الدخيل *

مرت أربع سنوات منذ أن دخلت قفصها الذهبي، كانت أكثر أيام هذه السنوات عسلًا، فزوجها حنون، طيب، كريم، محب بل عاشق، أيامًا مزهرة، فرحًا، سرورًا، ابتسامات، ضحكًا، وانتصارات في حروب الامتحانات تتلوها رقصات زهو المنتصر وبهاء الفائز.

لكن مرت أيام في السنة الأخيرة كأنها كتاب صور مكررة، رتابة مملة، ساعات بطيئة، حزن، بكاء، خيبات، فقد، دموع…

أنهت دراستها الجامعية مع دخول سنتها الثانية بعد الزواج، وبدأ مشوار البحث عن وظيفة مناسبة تحقق طموحاتها.

بدأت غيمة الاكتئاب تزحف على حديقة حياتها، إذ كانت الوظائف المطروحة أقل من الطموح، وزاد في مأساتها تأخّر الحمل، ثم أسئلة الأهل الملحّة والمكررة.

? حامل؟

? لا

? ليش؟

? أمر الله

? منك أو منه؟

وهكذا يبدأ حوار له بداية وليس له نهاية إلا بدموع الحسرة، أو مغادرة المكان في صمت.

كانت تعود بعد أكثر لقاءات الأسرتين والحزن يأخذ من قوتها وصبرها.

? لماذا لا يفهم هؤلاء الناس أن هذه الأسئلة تسبب جرحًا في قلوبنا؟! لماذا لا يحترمون مشاعرنا؟!

ولا تجد علاجًا لحزنها وألمها إلا حضن زوجها العطوف، وكلماته الدافئة المشجعة، والداعمة لصبرها، ”الأمر بيد الله، ونحن مؤمنون بقضاء الله وقدره“.

كان الحصن الذي تلجأ إليه، والخيمة التي تظلل حزنها، واليد التي تمسح دمعتها، رغم ما يواجهه هو الآخر من أسئلة مشابهة، واقتراحات مؤلمة.

قبل أيام دخل عليها زوجها وبيده جريدة، قال ووجهه مستبشر: نسي زميلي هذه الصحيفة في المكتب، تصفحتها للتسلية، فوجدت خبرًا يعلن عن بدء برنامج الابتعاث.

ناولها الجريدة وأكمل: هيا سجلي لتكملي دراستك في أمريكا.

فرحت فرحًا عظيمًا بهذا الخبر، ولم تتردد في تعبئة نموذج الابتعاث، وتجهيز المطلوب منها.

وعندما تقدمت لاستخراج ال «فيزا» للدراسة، طلبت منها السفارة تقريرًا طبيًا يثبت خلوها من الأمراض المعدية والمزمنة.

ذهبت للمستشفى مبكرًا، قبل أن يزدحم بالمراجعين، سألت موظفة الاستقبال عن مكتب المدير الطبي الذي سيوقع لهم ورقة التقرير الطبي، فأخبرتها أنه سيتأخر قليلًا، لكنها تستطيع انتظاره في الغرفة المقابلة لمكتبه.

لم يتأخر كثيرًا، ولم يدم انتظارها أكثر من نصف ساعة، وفور وصوله دخلت عليه وسلمته أوراقها.

نظر في الأوراق ثم سألها عن أخيها الذي كان زميله في الدراسة، وذكره بالخير، ثم طبع عبر الحاسب الآلي مجموعة من الأوراق، وسلّمها للممرضة وقال لها موصيًا: اذهبي مع الأخت لتقوم بهذه الفحوصات والتحاليل، وارشديها للمختبر وغرفة الأشعة، والعيادات المناسبة.

بعد مرور أكثر من ساعة وهي تتنقل من عيادة لأخرى، ومن فحص لآخر، جلست تنتظر نتائج التحاليل، وكلها أمل أن تكون خالية من الأمراض حتى تتمكن من السفر.

كانت تنظر للأوراق التي بيدها وتهمس: يا الله.. ماذا يحدث!؟

الأمنية التي حلمتُ بها أربع سنوات منذ زواجي، جاء الوقت الذي لم تعد أملي المنتظر، بل على العكس، صار مبتغاي أن تبشرني الممرضة: ”فحص الحمل سلبي“.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
رائد الاحمد
[ المملكة العربية السعودية ]: 23 / 5 / 2023م - 8:48 م
اخونا وكاتبنا الكبير قصة جميلة من قصص الحياة ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم )