آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

خالي

زكي بن علوي الشاعر

خالي: الأستاذ المهندس الحاج حسين بن عبد الله بن أحمد بن عبد الله بزرون/آل عصفور - حفظه الله تعالىٰ! - من أكبر أساتذتي الذين أسهموا في تطويري وتوسيع أفقي ومداركي.

لو قدِّر لهٰذا الرجل أن يكون معلمًا، لخرَّج أجيالًا واعية؛ ذٰلك أن له أساليب جيدة في التعليم والمذاكرة والدرس.. منها أنه حفظ الجدول الدوري كاملًا، دون طريقة تقليدية مملة مسئمة، كما يصنع غيره من جيله، وتتلخص تلك الطريقة في أنه وضع ألحانًا موسيقية ممتعة للجدول الدوري، وصار يردد تلك الألحان بشكل مؤنس ممتع، حتىٰ حفظه، وكأنه يلعب أو يغني!

وكان يقول لي: إذا أردت أن تحفظ نصًّا، فضع له لحنًا جميلًا ممتعًا، وستجد نفسك تحفظه، وكأنك تلعب!!

أخذت عنه هٰذا الأسلوب الخطير، فوجدته مجديًا في مجال الحفظ، مهما طال النص، أو القانون الفيزيائي والرياضي والكيميائي أو النحوي...

وقد تنبه القدماء لمثل هٰذه الفكرة، فنظموا العلوم؛ فهٰذه ألفية في النحو، وتلك ألفية في علوم الحديث، وتلك أرجوزة في التفسير...

يقول شيخنا المقدس: الشيخ علي الجشي - رحمه الله تعالىٰ! - في نظمه كفاية الأصول:

وبعدُ، فالراجي رضا ذي العرشِ

ومالك الملك: عليُّ الجشِّي..

يقول: كم أمعنتُ في «الكفايهْ»

فكرًا من البدء إلى النهايهْ

فلم أجد من سابق من السلفْ

لمثلها أو لاحقٍ من الخلفْ!

فإنها يتيمة الدهر، ولمْ

تكن لها في الدهر أختٌ في العظمْ

فرمتُ أن أنظم ما كان أهمّْ

منها؛ إذ النفعُ من النظم أعمّْ!

في قوله: ”النفع من النظم أعم“ إشارة إلىٰ أن اللحن الموسيقي يعين الطالب في الحفظ، و”من حفظ نصًّا، حفظ أفكارًا“، والعكس صحيح.

وقد درستُ اللغة الإنجليزية علىٰ يد خالي، أعني أنه ذاكرني اللغة الإنجليزية، فقال لي: إذا كنت في امتحان اللغة الإنجليزية، ولم تعرف معنىٰ كلمة من الكلمات، فتأمل تركيب الجملة التي وردت فيها تلك الكلمة! مثلًا: ”زكي ونت تو ذَ ماركِت؛ بيكوز بوي أبلّْ“... إذا كنت تعرف أن «أبل» هو: التفاح، و«ونت»: ذهب، و«تو»: إلىٰ، و«بيكوز»: من أجل أن، و«بوي»: يشتري... ولم تعرف معنىٰ «ذَ ماركت».. فسل نفسك: من أين يشتري المرء التفاح؟! سوف تصل إلىٰ معنى «السوق» أو معنًى قريب منه!!

ولا بد من أن تحفظ الكلمات المفتاحية - وهي أدوات الاستفهام - وبم يجاب عليها؟! فإن سئلت: واي دد زكي جو تو ذ ماركت؟! وجدت الجواب في الجملة، وهو: بيكوز بوي أبل... لم يكونُ هٰذا هو الجواب الصحيح؟! لأن هٰذا ما لم يذكر في السؤال، ولا بد من أن يكون السؤال عنه، وقد تستعين في معرفته بمعرفتك وحفظك للكلمات المفتاحية «أدوات الاستفهام» وكيفية الإجابة عليها!!

ولم أكن أتعب نفسي بعدها، في استذكار الكلمات الإنجليزية؛ فقد كنت أكره هٰذه اللغة!! ولٰكنني عرفت كيف أنجح في امتحانات اللغة الإنجليزية؟ بل كيف أحرز درجة عالية!!

وقد ألقىٰ إليَّ دروسًا في «القراءة السريعة».. فقد درس هٰذا الفن وهٰذه المهارة في الجامعة، وعلمني كيف أنقض على الفكرة الرئيسة كالصقر على الفريسة؟! وأين تكون الفكرة الرئيسة عادة في الفقرة؟ وأين تكون في المقال/الموضوع والكتاب/البحث عادة أيضًا؟!

وأختم بتعليمه إياي نظم الشعر في أقل من ساعة، فلم أهدم وزنًا بعدها، ولم أحتج لدراسة علم العروض!!

وخلاصة هٰذا الدرس الخطير أنه قال ما فحواه:

تأمل الشعر العربي الموزون المقفىٰ، تجد أنه خاضع لموسيقىٰ خارجية؛ فقول امرئ القيس:

قفا، نبك من ذكرىٰ حبيب ومنزلِ

بسقط اللوىٰ بين الدخول فحوملِ

يقطعه أهل العروض هٰكذا:

قفا نب/ فعولن كمن ذكرا/مفاعيلن حبيبن/فعولن ومنزلي/مفاعلن.. ولٰكنك لا تحتاج إلىٰ تقطيع العروضيين؛ لتغدو شاعرًا! الشعر أن تقول ما في نفسك، بلغة غير مباشرة! هٰذا فرق مهم من الفروق بين الشعر والنثر.. ويبقىٰ أن تخضعه لقالب موسيقي/موسيقىٰ خارجية تستطيع أن تدركها بالتنعيم، فتقول:

نعم لا.. نعم لا لا.. نعم لا.. نعم نعم!!

أو تقول:

دِدِنْ دِنْ.. دِدِنْ دِن دِنْ.. دِدِنْ دِنْ.. دِدِنْ دِدِنْ!!

تعلمتُ من خالي الكثير الكثير، فدنتُ له بالكثير!! خالي أستاذ ماهر، ومعلم فاضل.. ولا أسىٰ إلا علىٰ أنني لم آخذ عنه الهندسة الميكانيكية والنجارة والكهرباء وغيرها من الحرف والصناعات؛ لأنني كنتُ أريد أن أصبح أعلم من الخوئي - رحمه الله تعالىٰ! - ولا يليق بخوئي المستقبل أن يكون مهندسًا أو نجارًا أو كهربيًّا!! لا يليق به إلا أن يكون فقيهًا أصوليًّا... وقد قلدت السيد - رحمه الله! - في كل شيءٍ.. حتىٰ في رعشته وصوته ومشيته؛ بل إنني قلدته في التدخين!!! ثم لم أكن الخوئي الجديد؛ بل كنتُ عليلًا كسولًا مضيعًا للوقت والجهد متفيهقًا!! لم أجد من يوجهني؛ فلا يهملن أحد ولده، وليحرص علىٰ تربيتهم وتوجيههم!!

شكرًا.. خالي الحبيب!! شكرًا شكرًا شكرًا لا أبلغ شكر معشار ما علمتني ونفعتني في حياتي العلمية!! وليتك طحنت عظامي؛ لئلا أصبح من المدخنين الكسالىٰ فأشكرَك في حياتي ونشاطي الاجتماعي، كما شكرتك علىٰ كل حرف علمتنيه.