آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

فذلكة

زكي بن علوي الشاعر

كتبت تحت عنوانين: لعب الشوتحي، وگمگم عصبك، وملت إلىٰ رأي الأستاذ عبد الهادي آل حبيب، فيما ذكره من معنىٰ شوت=shoot، وعدلت عن رأيي! ثم إن الأستاذ الفاضل الثقة الثبت: الحاج محمد رسول الزاير المعروف ب «أبو مصطفى» كتب إليَّ بعد أن قرأ «گمگم عصبك» ما فحواه: أن «الخليجيين» يقولون: گمگم الله عصبك! وقد يكمل بعضهم ويقول: وطيَّح الله ركبك! فقلت له ما فحواه: هٰذا يحتاج إلىٰ تأمُّل؛ إذ إن گمگم=گام گام، ومعنىٰ «گمگم الله عصبك» صعب، إذا أخذنا «گمگم» نفسه فعلًا مستقلًّا متعديًا، ولم نقل: إنه «گام» مؤكد ب «گام» آخر.. فأكد الأستاذ الجليل القدر أنه سمعه من الخليجيين في غير دولة، كما رواه لي، وهو - كما قدَّمت - ثقة ثبت؛ بل إنه من ذوي العدل.

ثم إن الأستاذ الفاضل: عبد الله الجشي - وهو معلم لغة إنجليزية - وملم باللغة الفرنسية كتب إليَّ: ليس من معاني shoot: الركل، وإنما من معانيها: الرمي لإصابة الهدف! ومن معانيها: إطلاق النار، ورمي السهم نحو الهدف. ولعل الأستاذ الكريم استعارها للركل؛ لاستعمال الرجل في ضرب الكرة، في لعبة كرة القدم! والمقصود في الأصل: تسديد الهدف، وليس أداة التسديد، أوفعل التسديد؛ ففي تسديد الهدف تستعمل اليدُ في لعبة كرة السلة، والقوسُ في رمي السهام، وفي السلاح الناري وغيره، عند الصيد والقتل... أما الركل وفعله، فهما في الإنجليزية: kick.

ولك تحياتي على سعة الصدر!

انتهىٰ كلامه - شكر الله سعيه! - وقد تصرفت فيه قليلًا.

وقد سألني الدكتور أديب بن الشيخ محمد سعيد الخنيزي - شكر الله له! - بعد أن قرأ «گمگم عصبك»: ولم لا تكون الكلمة - يعني شوت=shoot - راحلة من العربية إلى الإنجليزية؟! وهو وجه! وإثبات مثله يحتاج إلىٰ بحث، ولستُ أهلًا للبحث؛ إذ إن مثله يحتاج إلىٰ إلمام باللغتين وتاريخهما، ويدخل في علمين هما: علم اللغة المقارن، وعلم اللغة التاريخي! وأين أنا من ذٰلك كله؟!

وقد عرفت هٰذا الدكتور، منذ أكثر من خمسة وثلاثين عامًا، وهو قليل الكلام، كثير الصمت والتأمل.. لا يتفيهق، ولا يعطي المعاني أكثر من الألفاظ التي تبرزها؛ فكأن اللفظ لباس، والمعنىٰ إنسان، وهٰذا الإنسان متزيٍّ بزيٍّ ليس أطول أو أقصر منه! علىٰ أنه هش بش - والمؤمن هش بش - وعرفته في حبه قراءة الأدعية والزيارات، وشهدته يبكي أهل البيت - صلوات الله عليهم! - ويبكي عند الدعاء والزيارة.

ثم فوجئت - في شهر رمضان هٰذا - بأنه شاعر يكتب شعرًا موزونًا مقفًّى، وشعرًا حديثًا أيضًا!! ووجدت عنده تأملات في اللغة والمعاني لا تصدر إلا من دارس لفقه اللغة!! وخبرته ممن لا يخطئ في حرف واحد، إذا كان النص مضبوطًا! ومثله - في أيامنا هٰذه - عزيز نادر ندرة الكبريت الأحمر!

ومشكلته - أقول: مشكلته؛ لأنها مشكلة حقًّا - أنه يضع من نفسه؛ إذ إنني طلبت أن يقرأ في فقه اللغة العام والتاريخي والمقارن وغيرها من فروع فقه اللغة، فقال لي ما فحواه: إنما أنت ترفع المعنويات! ولستُ كما ذكرتَ!!

كثير من الناس لا يعرفون قدر أنفسهم؛ فمنهم من يرفعها، فيقع في العجب والكبر والغرور وغيرها من أمراض القلوب...! ولٰكن من الناس من يضع من نفسه ويهضمها، ومنهم هٰذا الدكتور.

وممن يضع من نفسه: الأستاذ محمد رسول الزاير، وقد ألححت عليه غير مرة: أن ينظر في علم العربية؛ ولٰكنه - لهف نفسي! - يشغل نفسه بما فيه أجر وثواب وعمل صالح، كالعبادة والتهجد، وإقامة المناسبات الدينية: من وفيات وموالد، وزيارة المؤمنين، وعيادة المرضىٰ، وتشييع الجنائز، والبحث عن الفقراء؛ ليتصدق عليهم ويقضي حاجاتهم وحاجات المؤمنين وغير ذٰلك من الطاعات والقربات!! وكل ذٰلك جيد لا بأس به! ولٰكني أقول: لو استكمل هٰذا الأستاذ عدته بأخذ علم العربية، لكان محققًا فذًّا.. وأنا أعني ما أقول.

وقد رأيته نظم أكثر من ثمانين بيتًا من الرجز، في جده الإمام: الشيخ أبي الحسن الخنيزي - رحمه الله تعالىٰ! - فوجدتها من الرجز الراقي، فألححت عليه: أن يتمها، فأتمها مشكورًا سعيُه، وطبعها بعنوان: أوجز الكلام.. في أحوال جدي الإمام، ونحن ننتظر أن تصل إلى البلاد.. إذ إنها رائعة مما يندر نظيره.

وله ديوان كبير ألححت عليه أن ينشره، فاستجاب هٰذا العام، وهو الآن في طور الإعداد للطباعة والنشر، وقد اطلعت علىٰ بعضه، فوجدته جديرًا بأن ينشر ويقتنىٰ ويقرأ؛ فإن فيه كثيرًا مما تمنيت لو كنتُ أنا قلته! وإن فيه ما أعده من عيون الشعر.

وأستاذنا هٰذا حاضر البديهة.. قوي العارضة.. يحفظ كثيرًا، ويفهم أكثر! ولستُ آسىٰ إلا علىٰ أنه لم يعط العربية شيئًا من وقته! ولو أولاها ساعة أو نصف ساعة كل يوم، ثم فاقني في النحو والتصريف، لما كان ذٰلك عجبًا؛ إذ إنه ممن يصح أن يقال فيه:

ولستُ بنحويٍّ يلوك لسانه

ولٰكن سليقي: أقول، فأعربُ

قال الأستاذ محمد رسول: الخليجيون يقولون: گمگم الله عصبك! وطيَّح الله ركبك! ومعنىٰ «طيَّح الله ركبك» واضح جلي؛ ولٰكن لـ «گمگم الله ركبك» ثلاثة أوجه:

الأول: أنها من «الگمگمة».. وهي إبراز الگمة=القمة، كإبراز رأس القلم - وهو: گمته في لهجة القطيفيين وغيرهم - والأصل: التگميم، كما أن أصل «الدمام» الدمدام؛ لأنها منحوتة من صوت «دِمْ.. دِمْ».. أو أنها منحوتة من صوت «دِمِمْ».. وهما صوت قرع الطبول التي كان يسمعه القطيفيون وغيرهم، فأسموا الدمام بهٰذا الاسم - فكأن «الگمگمة» بمعنى البري والنحت، كما يقول المتنبي:

ما لي أكتم حبًّا قد «برىٰ» جسدي... البيت!

ومن هنا يصح أن يقال: گمگم الله عصبك، أي نحته وبراه؛ لتضعف وتشل، فلا تقوىٰ على المشي والحركة...! وقد ذكر الأستاذ محمد رسول أن هٰذا مثل يضرب، ومقولة تقال لمن يكسل ويتوانىٰ في تلبية من يأمره - كأبيه وأمه... - بأمر، فلا يهرع لتلبيته! وهو الحق، كما قال حفظه الله تعالىٰ!

والثاني: أنه منحوت من «گمگم=گام گام» ومعدًّى، بلا تضعيف؛ فإنه يشبه المضعف «گوَّم».

والثالث: أن صوت «الگاف» الثاني مبدل من واو «گَوَّم».. فإن تكرار الگاف أوقع في النفس من الواو المضعفة، وموسيقاها بالزجر أليق، والمقام مقام زجر ولوم وتقريع.

والوجه الأول يبعدنا عن اللهجة القديحية.. لذٰلك، فهو أضعف الأوجه الثلاثة عندي.

وما ذكره الأستاذ عبد الله الجشي - حفظه الله تعالىٰ! - صحيح؛ لٰكن الكلمة إذا رحلت قد يتغير معناها، وقد يزيد شيئًا، أو ينقص شيئًا، وقد ذكر هو نفسه - شكر الله له! - أن الأستاذ عبد الهادي آل حبيب «استعارها - يعني شوت=shoot - للركل؛ لاستعمال الرِّجْل في ضرب الكرة، في لعبة كرة القدم!».. فيكون لهٰذا الاستعمال مسوِّغان:

1 - الاستعارة التي أشار إليها.

2 - رحلة الكلمة، وما قد يعتري الكلمة الراحلة من تغيير وتصرف.

أشكر الأستاذ عبد الهادي، والأستاذ محمد رسول، والدكتور أديبًا، والأستاذ عبد الله، علىٰ ما أفادوني.. وحياهم الله جميعًا! وحيا الله مثل هٰذه العقول الراجحة!!