آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

رِجالٌ في ذاكِرة التاريخ

جمال حسن المطوع

نحنُ عِندما نُريد أن نتَحدَث عن أُناسٍ رحلوا مِن هذه الدُنيا وتَركوا تُراثاً مِن الذِكريات التي لا تنسى وهي ذاتِ طابِعٍ خاص، وها نحنُ اليوم نُحي ذِكراهُم إكراماً لهم والإشادَة بِهم وأنهم ما زالوا في الذاكرة الإنسانية نتيجة تاريخَهم الكَسبي والمعيشي والعَمَلي المغمور بالخِبرة والجِهاد والمهارة، لِما قامُوا به من نَشَاطَات وحِرَف مِهَنِية تَطلُب جُهداً مُضاعَفاً وصَبراً على صبر، لأنها مِهَن وحِرَف لا يُتقِنها إلا مَن أجهَد نَفسُه وأجتَهَد في إتقانِها وقضَى جُلَ وقته في الجِد والعَمَل وطَلَب الرِزق آنذاك حَيثُ الظُروف كانت صَعبة لِلغَاية في ذلك الزَمان العَصِيب والبَحث عَن مِهنَة وعَمَل كانَ شِبه مُستَحيل لأنه يَتَطَلب البَحث والمُتابَعة والمُثَابَرة لَعلَه يجِد رزقاً مُناسِبا بما يتلاءم مع حياةٍ فيها المَصاعِب كثيرة ومشَقَة لا توصف.

هكذا آباؤنا وأجدَادُنا بَدلوا مُهَجَهم وقُواهُم في إيجاد رِزقٍ يُغنِيهِم ويُعَفِهم عن مُساءَلة الناس ومَد يَد الحَاجَة إليهِم لأن نُفُوسَهم عَزِيزَة وكَرامَتهُم مَصُونة.

في هذا المَقَال سَنذكَر سيراً مُتعدِدَة الأمثلة عَن أُناس عاشوا حَياة الكَفَاف والعَفاف مُعتَمدِين على طَاقَاتَهم وجُهدَهم، وسوف أُشير بالاسم إلى بعضٍ مِنهم دون انتقاص في حق الآخرين، وإنما هي بَداية سلسلة للانطلاق والخُوض في سِيَر كَثيرة نَاجِحة لِكُل من سَاهَم وشَارَك في بِناء حياةٍ بَسيطَة مجتَمعِية كُلٌ حَسَب استطاعته وقُدرَته، فدعُونا نُعَرج على رِجالات مُتواضِعة كانَ لها نَصيب في تَحرِيك عَجَلة الحَياة المِهَنِية والحِرَفية وهُما المرحومَين الجَليلَين الحَاج منصور إبراهيم خنيفر والحاج مدن المطر رحمة الله عليهِما، حيثُ كُنتُ على تماس معهِما مُنذ نُعومَة أظفاري حتى سِن المُراهَقة، وكَانَا بِالنِسبة لي كأبوين حَانِييَّن يَشمِلاني وإخوتي بِالرِعاية والعِنايَة كأبنائهم بِحَيث لو مَرَ يوم لَم يرونَا فيه أقاموا الدُنيا ولم يُقعِدُوها لأن نُفُوسَهم كَريمَة وخِصالِهم حَمِيدَة فلم يَمنَعهُم شَظَف العَيش وصُعوبَة المَعِيشَة عن مُتابَعة أحوالنا والسؤال عنا.

كانَا رَحِمَهُما الله يعملان فِي مِهنَة صيد الأسماك وكما هو مَعرُوف أن هذه المِهنَة شَاقَة لِلغاية بِها الكَِثير مِن المَخَاطِر مع مَجمُوعَة مِن الصَيادين الذين قد يَغِيبون عَن بِيوتِهم مُدة من الزمن تتقاذف بِهم الأمواج أو تَعصُف بِهم الرِياح ما يَعنِي أنهُم بين الحَياة والموت، هَذِه المِهنَة لا تعرف معنى لِلحَر الشديد ولا البَرد القَارِص، تَتَطَلب قُوةً ونشَاطَا دَائِمين لَعَلَهم يَغنِمُون بِصَيد من الأسماك لِبَيعِها وتقاسُمُها بين البَحارَة أنفسهم وهكَذا دوالِيك، قَد يُصادِف أن يُبحِر البَحارَة ويَرجِعون بِلا صَيدٍ ثَمِين وذلك بِسَبب الأحوال الجَوية السيئَة، ولكِن الإصرار في طَلَب الرِزق يَستَدعِي التَضحِية حتى بِالأرواح والله هو الحَافِظ.. فَعليكُم مِن الله آلاف الرَحَمَات على تَضحِياتِكُم.