مشكاة النهج إلى موجز أحكام الحجّ
بعد مرور ما يقرب من خمسين عاماً على صدور منسك السَّيِّد الشَّهيد محمد باقر الصَّدر ”رض“ الموسوم ب ”موجز أحكام الحجّ“ ومع حلول موسم الحجّ لهذا العام 1444 هـ صدر عن دار الولاء للنشر في بيروت تحقيق شامل لمنسك السيد الشهيد للأستاذ جواد نجل الشيخ عبد الهادي الفضلي.
في البدء لابُدّ من الإشارة إلى أنّ منسك السَّيِّد الشَّهيد يقع في 240 صفحة من القطع الصغير، وأنّ عدد صفحات المنسك بعد التحقيق قد أصبحت 425 صفحة من القطع الوزيري، كما أود الإشارة إلى أنّ السبب الرئيسي الذي دعا المُحقق إلى تحقيق منسك الإمِام الصَّدر ”رض“ دون غيره من المناسك يعود إلى وضوح عبارته، واقتصاره على وَاجِبَات الحَجّ بالدرجة الأَولى.
وقبل أن نشرع في الحديث عن عمل المُحقق في التحقيق لابأس من ذكر رأيه في تبويب، وعرض، وتَسَلسَلُ مادة المنسك.
فيقول المُحقق بشأن التبويب: ”كان تبويب السَّيِّد الشَّهيد“ رض ”للمنسك تبويباً مُوَفَّقاً من ناحية عملية، فقد جعله في: مقدمة بيَّن فيها“ رض" هدفه من تأليف هذا المنسك، تلاها قسمان رئيسيّان وملحقان، على النحو الآتي:
• القِسْم الأوّل: خصَّصه ”رض“ للأَحْكَام والمعلومات العامّة، ووجوب حجّة الإسلام وشروطها.
• القسم الثاني: خصّصه ”قُدِّسَ سِرُّهُ“ لحَجِّ التَّمتُّع، مستعرضاً وَاجِبَات عمرته ووَاجِبَات حجّه.
• الملحق الأوّل: وضمَّ أربعة مباحث تتعلق بأَحْكَام الكفارات، والأَحْكَام العامة والخاصة بمكة المكرمة، وزيَارَة المَدِينَة المُنَوَّرَة.
• الملحق الثاني: خصَّصه ”رض“ للأدعية والزيارات المتعلقة بفريضة الحَجّ.
ويرى المُحقق أنَّ المنسك من أدقّ المَناسك تبويباً عملياً، وأكثرها بساطة، وأوجزها، وجاء مُنسجماً مع منهج السَّيِّد الشَّهيد ”رض“.
وعن طريقة العَرْض، يقول المُحقق: ”لقد وُفِّقَ السَّيِّد الشَّهيد كثيراً في عَرض المنسك، فقد غَلَبَ عليه طابع الأسلوب البسيط الخالي من التعقيد، فاستعماله“ رض ”للغة الفصيحة العامّة وابتعاده عن اللغة العلميَّة - لغة الفقه التي درج على استعمالها الفقهاء في مناسكهم -، جعله في متناول المُكلَّف“ العامّيّ المُقَلِّد ”حتَّى لا يكون بحاجة إلى الاستعانة بالفقيه أو طالب الفقه في معَرَفَة وَاجِبَات الحجّ وأَحْكَامه الضرورية إلى حدٍّ كبير جِدًّا“.
وقد حافظ المُحقق على تَسَلسَلُ مَادَّةٌ المنسك دون تغيير لأنه الأقرب لطبيعة توزيع موضوعات فريضة الحجَّ - كما يرى السيد الشهيد - ولأسباب عديدة، منها: كثرة أجزاء وأَقْسَام هذه الفريضة، وتشعّب مباحثها، وكثرة وَاجِبَاتها فضلاً عن مستحباتها، وترابط أفعال المُكلَّف فيها، وتداخل أَحْكَام هذه الفريضة بشكلٍ كبير مع موضوعاتها.
أمّا عن عَمَله فِي التَّحْقِيق فيقول الأستاذ جواد: "تركّز عَمَلِي فِي التَّحْقِيق، على التالي:
• قُمتُ بتَعْرِيف أَغْلَب مَوَاضِع الحَجّ وَالزِّيَارَه وَبَيَانُ مَوَاقِعِهَا وَحُدودهَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا.
• وعرَّفتُ أَكْثَر المَفَاهِيم العِلمِيَّة والمُصْطَلحات الفِقْهِيَّة، ومنها على سبيل المثال: الفريضة، والنيّة، والأقوى، والفتوى، والاستنباط، والواجب، وأدنى الحل، والإحرام، والإفاضة، والبذل والهبة، والتقيّة، وفصلت الحديث حول الحجّ وأهميته، وشروطه، وواجباته، كما فصلت الحديث حول مفهوم التلبية باعتبارها من أهم أمور الحجّ، وحول المراد من كفر مَن لم يحجّ وغيرها من المصطلحات.
• وعرَّفتُ بالأمكنة الوارد ذكرها في المنسك وحدّدتُ ومواقعها، وبيّنتُ تفاصيلها، ومنها على سبيل المثال: الأبطح، وباب بني شيبة، والحرم، وحدود مشاعر عرفات، ومزدلفة، ومنى التاريخية والحالية، والجمرات قديماً وحديثاً، ومَشْرُوع الجَمَرَات الْحَدِيث، وأودية المجاز، وعُرنة، ونعمان، وكبكب، ومُحَسِّر، وغيرها.
وعرَّفتُ بالأمكنة الغريبة التي لم يعد له وجود، كثوية، والوصيق وغيرها.
• وفصلت الحديث حول حدود منطقة الحَرَم، والمطاف، والمسعى، ومواقيت الحجّ المكانية وبالأخص ميقات العقيق، وموقع غدير خُمّ، ومرقد أُمّ المؤمنين السَّيِّدَة خَدِيجَة ، ومرقد شيخ البطحاءأَبَي طَالِب في مقبرة الحجون بمكة، ومرقد السَّيِّدَة آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ في الأبواء، ومكان مَوْلِد الزَّهْرَاء وَمَوْلِد النَّبِيّ ﷺ بمكة، وشعب أبي طالب وما حلّ به، وبَيْت السَّيِّدَة الزَّهْرَاء في المدينة، ومَوقع مَرقدها ، ومكانه داخل المقصورة الشريفة، ودعمت كُلّ هذا بالوثائق المخطوطة، والخرائط، والصور القديمة، والحديثة.
• قُمْت بِتَخْرِيج الآيَات الكَرِيمَة وَالأحَادِيث الشَّرِيفَة.
• وعملتُ مُشجرات تَوضيحية لمواضيع المنسك.
• وأضفتُ للتحقيق خرائط جُغْرَافِيَّة لأمكنة الحَجّ.
• وأضفت صور للنباتات المحظور على الحاج قلعها أو أكلها.
• وأضفت صور حديثة لجميع أمكنة الحجّ ومعالمه، كجسر الجمرات، والمطاف، والمشاعر المقدسة، وغدير خُمّ، وعقبة هرشا وغيرها.
• صممتُ خرائط فضائيّة وبوسترات، لمواقيت وأمكنةِ الحَجّ أعدَدْتُها خصِّيصاً لهذا التَّحْقِيق.
• أضفتُ عناوين فَرْعِيَّة لِبَعْض مَوْضُوعَات المنسك، وحصرتُها بَيْن عضادتين.] [.
• ترجمتُ كثير من الكلمات والمصطلحات للُّغة الإنجليزية.
• ذكرتُ في كثير من التعليق دليل الفتوى، وهو غير قليل ليستأنس به طلبة الفقه، ويطّلع على شيء من الدليل الفقهي هواةُ الثقافة العامّة.
• وفهرستُ للمصطلحات العلمية والأماكن الواردة في التعليق في فهرس تفصيلي عنونته ب ”فهرس الهامش“ يجده القارئ الكريم في مجموعة الفهارس المُلحقة بالكتاب.
• أضفتُ إلى التحقيق، مُلحقين:
- الأوّل: عنونته ب ”الِاسْتِفْتَاءات“، وهي مجموعة من الِاسْتِفْتَاءات المتعلقة بأمور الحَجّ ومناسكه ومشاعره التي أُستُفتي بها الإمام الصَّدر ”رض“.
- الثاني: خَصَّصَته للخرائط الجُغْرَافِيَّة والفَضائية.
وأخيراً
نأَسْأَلُه تَعَالَى أنْ يَنْفَع حُجّاج بَيْتِه الحَرام بِهَذَا التحقيق وَيُثِيب عَلَيْه الإمِام المُفدى السَّيِّد مُحمَّد بَاقر الصَّدر، وأن يُعلي مَقَامَهُ فِي فردوسه الأَعْلَى، كِفَاءَ مَا قدّم مِن فكرٍ علميِّ عَظِيمٌ، وَخَيْر إنسانيٍّ عَمِيم.