آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 9:28 م

دحض تأثير دانينغ - كروغر - الأكثر جهلًا يعرف مدى جهله، ولكن كل واحد يعتقد أنه أفضل من المتوسط

عدنان أحمد الحاجي *

دحض تأثير دانينغ - كروغر - الأكثر جهلًا يعرف مدى جهله، ولكن كل واحد يعتقد أنه أفضل من المتوسط
بقلم إريك سي غيز، استاذ مشارك في الرياضيات، كلية بودوين
8 مايو 2023
المترجم: عدنان أحمد الحاجي
المقالة رقم 133 لسنة 2023

Debunking the Dunning-Kruger effect - the least skilled people know how much they don`t know, but everyone thinks they are better than average
Eric C. Gaze, Senior Lecturer of Mathematics, Bowdoin College
May 8,2023

ذات مرة لخص الممثل الكوميدي البريطاني جون كليز John Cleese فكرة تأثير دانينغ - كروغر[1]  Dunning-Kruger «انظر مقطع الفيديو أدناه» على النحو التالي، ”لو أن امرءًا غبيًا جدِا جدًا، فمن المستحيل بالنسبة له أن يعرف أنه غبي جدًا جدًا.“ البحث السريع في الانترنت قد يأتيك بعشرات العناوين الرئيسة التي تربط تأثير دانينغ - كروغر بكل شيء بدءًا من الوظائف[2]  ولا تنتهي بالتعاطف الوجداني[3]  بل ولماذا انتُخب دونالد ترامب رئيسًا[4] .

مقطع فيديو: جون كليز يتحدث عن تأثير داننيغ - كروغر:

بصفتي برفسورًا في الرياضيات [الكلام لـ إيريك غيز Eric Gaze] أدرس الطلاب كيف يستخدمون البيانات لاتخاذ قرارات مستنيرة[5] ، فأنا على معرفة بالأخطاء الشائعة التي يرتكبها الناس عند التعامل مع الأرقام. تأثير داننيغ - كروغر هو فكرة أن القاصرين [الأقل خبرة أو الأقل كفاءة أو الأقل معرفة أو الأقل علمًا وما إلى ذلك من الأوصاف] يبالغون في تقدير قدراتهم بشكل أكثر مما يبالغ أي شخص آخر رئيسًا[4] . لكنني وزملائي أقترحنا أن المقاربة الرياضية / الحسابية التي استخدمت لإثبات هذا التأثير قد لا تكون مقاربة صحيحة[7] .

ماذا أثبت الثنائي دانينغ وكروغر

في التسعينيات من القرن الماضي، أراد ديفيد دانينغ David Dunning برفسور علم النفس في جامعة كورنيل وطالب الدكتوراه جوستين كروغر Justin Kruger اختبار ما إذا كان غير المقتدربن [القاصرين][1]  لا يدركون مدى قصورهم / جهلهم.

لاختبار هذه الفرضية، أعطوا 45 طالبًا جامعيًا اختبارًا منطقيًا من 20 سؤالًا ثم طلبوا منهم تقييم أدائهم بطريقتين مختلفتين.

أولاً، طلب دانينغ وكروغر من الطلاب تخمين عدد الأسئلة التي أجابوا عليها اجابات صحيحة - وهذا يعتبر تخمينًا بسيطًا إلى حد ما. بعد ذلك، طلب دانينغ وكروغر من الطلاب تقدير مدى أدائهم مقارنة بطلاب آخرين أخذوا نفس الاختبار. هذا النوع من التقييم الذاتي تطلب من الطلاب عمل تخمينات عن أداء الآخرين مما جعلهم عرضه لأخطأ ذهنية / معرفية شائعة [المترجم: يعرف أيضًا بال التشوه المعرفي [2] ] - حيث يعتبر معظم الناس أنفسهم أفضل [في قدراتهم] من المتوسط.

تثبت الأبحاث أن 93٪ من الأمريكيين يعتقدون أنهم سائقو سيارات أفضل من المتوسط في سياقة السيارات[9] ، ويعتقد 90٪ من المعلمين أنهم أكثر مهارة في التدريس من أقرانهم[10] ، وهذه المبالغة في التقدير الذاتي منتشرة في العديد من الوظائف والأعمال الأخرى - بما فيها مستوى الأداء في الاختبارات المنطقية. لكن من المستحيل رياضياً أن يكون معظم الناس أفضل من المتوسط في وظيفة من الوظائف.

بعد اعطاء الطلاب الاختبار المنطقي، قسمهم دانينغ وكروغر إلى أربع مجموعات بناءً على درجاتهم في هذا الاختبار. ربع الطلاب الذين حصلوا على أقل الدرجات في هذا الاختبار أجابوا، في المتوسط، على 10 أسئلة اجابة صحيحة من أصل 20 سؤالًا. بالمقارنة، ربع الطلاب الحاصلين على أعلى الدرجات أجابوا اجابة صحيحة على 17 سؤالًا في المتوسط. قدرت كل مجموعة من المجموعتين أنها أجابت على 14 سؤالًا [من أصل 20 سؤالًا] اجابة صحيحة. هذا التقدير لا يعتبر تقييمًا ذاتيًا سيئًا من أي مجموعة من المجموعتين. لكن، المجموعة الأقل أداءً في تقدير الدرجات التي سيحصلوا عليها قد بالغت بنحو 20 نقطة مئوية، بينما المجموعة الأفضل أداءً في الاختبار قد قللت من النتائج التي ستحصل عليها بنحو 15 نقطة مئوية.

تبدو النتائج لافتة للنظر بشكل كبير لو لاحظنا كيف صنف الطلاب أنفسهم مقابل أقرانهم، الطلاب الذين حصلوا على أقل الدرجات قدّروا أنهم حققوا أداءً أفضل من 62٪ من المتقدمين للاختبار، بينما اعتقد الطلاب الحاصلون على أعلى الدرجات أنهم حصلوا على درجات أفضل من 68٪ من الطلاب.

بحكم التعريف، كون الطالب ضمن شريجة ال 25٪ من أدنى الطلاب أداءًا يعني أنه في أحسن الأحوال، سيسجل أفضل مما سجله 25٪ من الطلاب، وفي المتوسط، أفضل مما سجله 12,5٪ فقط من الطلاب.

تقدير الطالب أنه حقق أداءً أفضل مما حققه 62٪ من أقرانه، بينما سجل فقط نتائج أفضل من 12,5٪ منهم، يعني أنه بالغ في هذا التقدير بنسبة 49,5 نقطة مئوية.

قياس كيف قارن الطلاب أنفسهم بالآخرين، بدلاً من اعتمادهم في القياس على درجاتهم الفعلية، هو منشأ ”تأثير دانينغ - كروغر“. هذا القياس اجمالًا يبالغ بشكل فادح في تقدير أقل المجموعات الأربع أداءً ويبدو أنه يُبين، كما عنون دانينغ وكروغر ورقتهما، الطلاب الأقل قدرةً كانوا ”قاصرين وغير مدركين أنهم كذلك“. [المترجم: يبدو آن هذا التعريف مصداق لـ "الجهل المركب: أي لا يعلم ولا يعلم أنه لا يعلم]

باستخدام البروتوكول الذي وضعه دانينغ وكروغر، ”أكد“ العديد من الباحثين منذ ذلك الحين مصاديق أخرى لهذا التأثير في مجالات دراستهم، مما أدى إلى الإحساس بأن تأثير دانينغ - كروغر متأصل في كيف تعمل وتفكر العقول البشرية. بالنسبة للناس العاديين، تأثير دانينغ - كروغر يبدو صحيحًا لأن الأحمق المتغطرس هو صورة نمطية مألوفة ومزعجة من صور هذا التأثير.

دحض تأثير دانينغ - كروغر

الصورة: عندما طُلب من الطلاب تقييم قدراتهم بموضوعية، كان أداؤهم أفضل بكثير من تقييمهم لقدراتهم عندما يقارنون أنفسهم بأقرانهم.

هناك ثلاثة أسباب تجعل تحليل دانينغ وكروغر مضلِلًا.

أسوأ المتقدمين للاختبار سيبالغون أيضًا في تقدير أدائهم أكثر من غيرهم لأنهم ببساطة هم الأبعد عن الحصول على الدرجة المثلى للاختبار. بالإضافة إلى ذلك، فإن الناس الأقل خبرة، كما هو عليه حال معظم الناس، يفترضون أنهم أفضل من المتوسط. أخيرًا، الطلاب الذين حصلوا على الدرجات الأقل ليسوا سيئيين بشكل فظيع في تقدير أدائهم الموضوعي.

لإثبات تأثير دانينغ - كروغر أنه نتاج لتصميم الدراسة، وليس نتاجًا للتفكير البشري، لقد بينت أنا وزملائي أنه يمكن إستنتاج تأثير دانينغ كروغر باستخدام بيانات مختلقة «صورية» بشكل عشوائي.

أولاً، أختلقنا 1154 شخصًا خياليًا «صوريًا» ووضعنا بشكل عشوائي لهم درجات اختبار وتقييم ذاتي مقارنة بأقرانهم.

بعد ذلك، تمامًا كما فعل دانينغ وكروغر، قمنا بتقسيم هؤلاء الأشخاص الصوريين إلى أربع مجموعات بناءً على درجاتهم في الاختبار. نظرًا لأننا خصصنا بشكل عشوائي لتصنيفات التقييم الذاتي درجة من 1 إلى 100، فسترتد كل مجموعة إلى متوسط الدرجات [50] . وبحسب التعريف، ستتفوق شريحة الأداء الأدنى على 12,5٪ فقط من المشاركين في المتوسط، ولكن من التعيين العشوائي لدرجات التقييم الذاتي فسيعتبرون أنفسهم أفضل من 50٪ من المتقدمين للاختبار. هذا يعطي تقديرًا مبالغًا فيه بنسبة 37,5 نقطة مئوية [وهذا ما حصلنا عليه دون الحاجة إلى اشراك أي شخص في الدراسة].

لإثبات النقطة الأخيرة - أن الأقل قدرة [الأكثر جهلًا] يمكن أن يحكم على قدراته بنحو مبالغ فيه - تطلب منا مقاربة مختلفة.

أعطى زميلي إد نوفر Ed Nuhfer وفريقه الطلاب 25 سؤالاً في اختبار التَّنور العلمي[12] . بعد الإجابة على كل سؤال، سيصنف الطلاب أداءهم في كل سؤال على أنه إما ”متأكد من الاجابة“ أو ”ليس متأكدًا“ أو ”لا يدري“.

من عملنا مع نوفر، وجدنا أن الطلاب الذين يفتقرون إلى القدرة «القاصرين» كانوا جيدين جدًا في تقدير قدراتهم. في هذه الدراسة التي أجريت على الطلاب القاصرين في المجموعة التي سجلت أدنى الدرجات، بالغ 16,5٪ فقط منهم في تقدير قدراتهم بشكل كبير. واتضح أن 3,9٪ منهم قد قللوا من تقديرهم لدرجاتهم بشكل معتبر. هذا يعني أن ما يقرب من 80٪ من الطلاب القاصرين كانوا جيدين إلى حد ما في تقدير قدراتهم الحقيقية - وهو بعيد كل البعد عن الفكرة التي طرحها دانينغ وكروغر بأن القاصرين يبالغون باستمرار في تقدير قدراتهم.

دانينغ كروجر في الوقت الراهن

تبدأ الورقة الأصلية التي نشرها دانينغ وكروغر بالاقتباس: ”إحدى السمات الأساسية للقصور «الافتقار إلى القدرة» التي يكون الشخص المتأثر بها غير قادر على معرفة أنه غير قادر“. انتشرت هذه الفكرة على نطاق واسع من خلال المنشورات العلمية والثقافة الشعبية «الموروث الثقافي الشعبي» على حد سواء. لكن وفقًا للدراسات التي عملت أنا وزملائي عليها، فإن الحقيقة هي أن قلة قليلة من الناس يفتقرون إلى القدرات بالفعل ولا يعرفون أنهم كذلك [المترجم: يبدو آن هذا التعريف مصداق لـ "الجهل المركب: أي لا يعرف ولا يعرف أنه لا يعرف].

وجدت تجربة دانينغ - كروغر تأثيرًا حقيقيًا - يعتقد معظم الناس أنهم أفضل من المتوسط. ولكن وفقًا للدراسة التي أجريتها مع فريقي، هذا كل ما أثبته دانينغ وكروغر. الحقيقة هي أن الناس لديهم قدرة فطرية على معرفة قدراتهم ومستوى معرفتهم. وأن الادعاء بخلاف ذلك[13]  يوحي، بشكل غير صحيح، بأن الكثير من الناس يجهلون ولا يدرون أنهم كذلك.