ترحيل الأزمات
سياسة ترحيل الأزمات لا تحمل في طياتها، شرا دائما، أو خيرا مطلقا، فالظروف والإمكانيات تلعب دورا، في تحديد طبيعة التعاطي مع الأزمات، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، نظرا لوجود معطيات وملابسات تفرض انتهاج وسيلة سريعة أو متأنية، في التعاطي مع تلك الأزمات، فالمواقف الموحدة تجاه الأزمات لا يخدمها من جانب، ويدخلها في مشاكل عديدة من جانب آخر، لا سيما وأن كل أزمة بحاجة إلى دراسة مستقلة، للتعرف على الآثار المترتبة عليها، وكذلك امتلاك مفاتيح معالجتها، وأيضا وجود الأطراف الفاعلة في تحريكها، سواء من الناحية الإيجابية أو السلبية، مما يعني أن وجود رؤية واضحة للتعاطي مع الأزمات عملية أساسية، قبل الانخراط في معالجتها بشكل جذري أو جزئي.
وضع بعض الأزمات في ”الثلاجة“، ينم عن قصور في الرؤية، وعدم القدرة على قراءة المشهد العام، نظرا لخطورتها على البيئة الاجتماعية، وتداعياتها الكبرى على المفاهيم الثقافية السائدة، مما يستدعي التحرك السريع والمدروس لوضع الحلول المناسبة، خصوصا وأن هناك أطرافا تحاول استغلال تلك الأزمات، لإحداث ثغرات كبيرة في الجدار الاجتماعي، مما يفرض استبعاد كافة محاولات ترحيل تلك الأزمات لأوقات أخرى، نظرا لوجود مبررات واقعية تفرض وضعها، ضمن سلم الأولويات في المرحلة الراهنة، لقطع الطريق أمام بعض الفئات الساعية، للاصطياد في الماء العكر.
التفريق بين الأزمات الخطيرة والأخرى الهامشية، عملية أساسية في برمجتها على الصعيد الاجتماعي أولا، ووضع البرامج العملية لمعالجتها بشكل جذري أو جزئي ثانيا، خصوصا وأن الافتقار للقدرة على تفريق الأزمات الرئيسية والملحة، ونظيرتها الهامشية وغير الضرورية، يسهم في تقديم ”المهم على الأهم“، الأمر الذي يحدث اختلالا في ميزان الرؤية الشاملة، لمجمع الأزمات الاجتماعية، بحيث تبرز على أشكال متعددة، بعضها يتمثل في غياب الإرادة الحقيقية في التعاطي المسؤول، مع الأزمات الرئيسية، مقابل إعطاء اهتمام متزايد، لبعض الأزمات الهامشية والصغيرة.
وجود فريق قادر على تحريك الأزمات بالاتجاهات المناسبة، وامتلاك إطار زمني لمعالجتها وفقا للأولويات أولا، ووجود الإمكانيات المناسبة ثانيا، وجود ذلك الفريق عامل فاعل في وضع الخطط المناسبة، لإنقاذ البيئة الاجتماعية من خلال الضياع والتخبط، في تحديد الأوقات المناسبة للانخراط في معالجة الأزمات، أو الانتظار بعض الوقت في بعض الأزمات الأخرى، بمعنى آخر، فإن عملية ترحيل الأزمات لا تكون عشوائية أو ارتجالية، بقدر ما تكون مدروسة بشكل منهجي، وامتلاك قدرة فائقة على تحديد المسارات بشكل دقيق، لتجاوز الأخطاء الكارثية التي تحدث تدميراً ملحوظا في الثقافة الاجتماعية، وتؤثر على النظرة الشمولية للأمور.
وضع الحلول المناسبة، والعمل على الاستفادة من التجارب الحياتية، عناصر أساسية في تطويق بعض الأزمات بشكل سريع، نظرا لامتلاك الأدوات اللازمة، للتفريق بين الأزمات المستعجلة والطارئة، والأخرى غير الطارئة، الأمر الذي يسهم في تحقيق الكثير من النجاحات، ويمنع حدوث بعض الإخفاقات الكبرى على الصعيد الاجتماعي، خصوصا وأن التداعيات المترتبة على عدم التعاطي السريع مع الأزمات الطارئة، والفشل في الوصول إلى المعالجات المناسبة، لا يقتصر على الإطار الشخصي، ولكن تشمل العديد من الفئات الاجتماعية، مما يخلق حالة من الإرباك الداخلي لفترة زمنية.
ترحيل الأزمات منهجية ناجحة في بعض الأوقات، خصوصا وأن الوقت يتكلف في تبريد، بعض الأزمات الساخنة، مما يعطي البيئة الاجتماعية فرصة كبرى لدراستها، والعمل على إيجاد الحلول المناسبة، بيد أن الترحيل في بعض الأزمات يسهم في تكريس في الوقت الاجتماعي، مما يجعلها بمثابة مرض مزمن، الأمر الذي يستدعي التحرك الواعي لانتشالها من الواقع الاجتماعي، للحيلولة دون تحولها إلى ”غدة سرطانية“، يصعب القضاء عليها بسهولة، بعد انتشارها في مختلف مفاصل البيئة الاجتماعية.