التفاعل الإيجابي
الانزواء ظاهرة سلبية تترك تداعيات على الشخصية أولا/ والبيئة الاجتماعية ثانيا، فالعزوف عن التعاطي مع القضايا الرئيسية، وعدم التفاعل مع تلك الملفات الكبرى، يكشف نوعية الثقافة التي تحرك تلك الشخصية، فيما يتعلق بالاهتمام بالأولويات، لا سيما وأن العزوف واللامبالاة يعطي انطباعات بوجود ثقافة سلبية، قادرة على توجيه الاهتمامات باتجاه قضايا ”هامشية“، الأمر الذي يتجلى في إدارة الظهر بشكل كامل، مع جميع الملفات الساخنة التي تتفاعل في المجتمع.
الانخراط الإيجابي، ومحاولة رسم مسار واضح للتعاطي، مع الملفات الكبرى، يتجلى في الدعم المباشر وغير المباشر لخلق البيئة المثالية، لتكريس الثقافة التفاعلية مع القضايا الجوهرية، فالانخراط المباشر قادر على تحريك البيئة الاجتماعية في الاتجاهات الإيجابية، خصوصا وأن الانعكاسات السلبية الناجمة عن تجاهل معالجة الملفات الكبرى، تكون تداعياتها أكثر خطورة من التحرك المتوازن، لاسيما وأن الكثير من الملفات الكبرى لا تقتصر تداعياتها على الأجيال الحالية، ولكنها تشكل خطورة كبرى على الأجيال اللاحقة، الأمر الذي يستدعي التحرك بشكل مدروس لإيجاد المعالجات المناسبة، لانتشال البيئة الاجتماعية من مخالف تلك القضايا الكبرى.
نشر ثقافة التفاعل الإيجابي في مختلف الفئات الاجتماعية، يمثل إحدى الوسائل الفاعلة في تكريس النظرة الإيجابية، والقضاء على الحالة السلبية التي تحرك بعض الفئات الاجتماعية، تجاه العديد من التحركات الاجتماعية، خصوصا وأن غياب الرؤية وعدم القدرة على قراءة الواقع بشكل دقيق، يخلق حالة من الارتياب، ويدفع باتجاه الانزواء، والعزوف عن التعاطي الإيجابي، ”الناس أعداء ما جهلوا“، بمعنى آخر، فإن خلق الأجواء المثالية لتكريس الثقافة الإيجابية، في الممارسات اليومية بالبيئة الاجتماعية، يساعد في استقطاب الكثير من الفئات نحو التفاعل الإيجابي، وبالتالي امتلاك زمام المبادرة في السيطرة على الوضع، وتطويق الأزمات الكبرى عبر وضع المعالجات المناسبة.
المخاوف غير المبررة التي تطلقها بعض الفئات الاجتماعية، تجاه التحرك الجادة لإيجاد الوسائل المناسبة، للسيطرة على القضايا الكبرى، تشكل أحد العناصر نحو إطلاق الحملات المضادة، بهدف إفشال التحركات الجادة، بيد أن إيصال الرسالة بشكل واضح، ومحاولة إزالة الضبابية عن العيون، والعمل على استقطاب وجهات النظر عبر الحوار الهادئ، يخلق حالة من الانسجام الداخلي في البيئة الاجتماعية، الأمر الذي يسهم في إزالة تلك المخاوف، والدخول في العمل المشترك، والتحرك الجماعي باتجاه التعاطي المسؤول، تجاه القضايا الكبرى التي تتفاعل مع البيئة الاجتماعية.
الإدراك الكامل لخطورة بعض الملفات الكبرى، على مختلف الفئات الاجتماعية، يحرك أصحاب الضمائر المسؤولة للتحرك السريع، خصوصا وأن السكوت والاعتماد على الآخر يفاقم الأمور، ويخدم أصحاب تلك المآرب الشيطانية، وبالتالي فإن المعرفة بمثابة الوقود الذي يقود بعض الفئات الاجتماعية، لتجاوز جميع العراقيل التي تعترض طريق الانخراط الإيجابي، في معالجة القضايا الرئيسية، لاسيما وأن تلك الملفات تطال جميع أفراد المجتمع، مما يستدعي الانخراط الكامل عبر استخدام جميع الإمكانات، في سبيل السيطرة على الأوضاع، وإعادة الأمور إلى المسار السليم.
الخشية من الفشل والخوف من ردود الأفعال السلبية، مبررات ليست كافية لتغليب الانزواء على التفاعل الإيجابي، لاسيما وأن الكثير من المخاوف ليست واقعية، وإنما مرتبطة بحالة التردد، التي تنتاب البعض من الإقدام على خطوات جديدة، مما يسهم في زيادة منسوب المخاوف بشكل غير مبرر، الأمر الذي يترجم على اتخاذ موقف ”العزوف“، وتجنب الانخراط في التفاعل مع القضايا الرئيسية، انطلاقا من قناعات بعضها ذات علاقة بالطبيعة الشخصية، والبعض الآخر مرتبط بالنظرة غير الإيجابية تجاه البيئة الاجتماعية.
التفاعل الإيجابي قادر على إحداث تحولات كبرى على الصعيد الاجتماعي، من خلال تحرك العديد من الملفات بالاتجاهات المختلفة، مما يسهم في تعزيز القدرة الاجتماعية على مقاومة العديد من الأخطار، التي تهدد المستقبل على المدى البعيد.