محمد رضا نصرالله
آل نصرالله وآل أبو السعود وآل البيات ثلاث عوائل من أصول عربية كما هو حال عوائل القطيف وهم في الأصل اسرة واحدة تفرع بعضها عن الاصل كما هو المعروف والمشهور بالقطيف وقلاعها الشامخة. وتشير الوثائق التاريخية ان جدهم هو أردنة بن حمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن ربيعة بن مانع، هاجر من نجد للقطيف في حدود منتصف القرن العاشر للهجرة «950 هـ».
أُسر خرج منها الوجهاء والأعيان والعلماء والقضاة، ولا زال فيها الأدباء والأطباء والمهندسين ورجال الأعمال.
ونشير في هذه العجالة إلى الماضين من العلماء والاعيان ومنهم: الشيخ مهدي بن أحمد نصرالله «ت1281 هـ»، والشيخ ناصر بن أحمد نصرالله «ت1295 هـ»، ومنهم كذلك الزعيم الكبير والاديب أحمد بن مهدي بن نصرالله، الذي كانت له صولات وجولات في السياسة والشعر، «ت 1306 هـ»، وله ديوان شعر في أربع مجلدات، قدم فيه الشيخ ميثم الخنيزي رسالة ماجستير، وهو الآن مشروع طباعة.
ومنهم أيضا الشيخ حسن علي بن الشيخ محمد نصرالله «ت1332 هـ»، والقاضي الشيخ عبدالله بن ناصر بن احمد نصرالله أبو السعود، الذي كان يمارس القضاء في منزله بقلعة القطيف في الفترة التي سبقت دخول المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه للقطيف، وهو آخر من كان يمارس القضاء في العهد العثماني، وكان وكيلاً لكبار علماء حوزة النجف الاشرف بالعراق، الحاضرة العلمية الأقدم، كآية الله الشيخ محمد طه نجف، والعلامة الشيخ محمد حسين الكاظمي.
وعلى أثر تعيين المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله للشيخ علي أبو عبد الكريم الخنيزي قاضيا للقطيف، اعتزل الشيخ نصرالله القضاء طوعا واختيارا، وحثّ الراغبين في التقاضي بحضرته الرجوع للقاضي الشيخ الخنيزي، توفي الشيخ عبدالله «ت1341 هـ» وترك الكثير من التراث الشعري الجميل. [1]
وينحدر من العائلة كذلك الشيخ محمد بن علي بن عبدالله نصرالله «ت1343 هـ ». ولربما يتذكر كبار السنّ من المعاصرين الحاج عبد الله بن نصرالله بن مهدي بن أحمد بن محمد بن نصرالله «ولد في 1311 هـ /1894م، وتوفي في 1374 هـ /1955م» وهو جد صاحب الأستاذ محمد رضا نصرالله لأمه.
ومنهم كذلك الحاج منصور بن حسن ال نصرالله «1344 هـ -1426 هـ» الذي طالما تسامرتُ معه، وكنت أسعد جدا بلقياه في كل أسبوع وقد دام ذلك إلى ما قبل رحيله بأسابيع، وكان يغمرني بلطفه، ويتحفني بما يحفظ من شعر يفيض بالحكمة واالجمال، وطالما كتب لي بخطه المنمق الجميل أشعارا وأفكارا، والحقيقة اني كنت أرى فيه عالم دين غير معمم، لما له من مكانة، ومحلا للثقة عند علماء وأعيان المنطقة، رحمه الله رحمة الأبرار واسكنه واسع الجنان. [2]
إن المقام في ذكر تاريخ وحاضر آل نصرالله يطول، وهذه السطور انما هي شذرات من شجرة طيبة وغيض من فيض كان لابد من مرور سريع على تلك الأسرة الولّادة التي انجبت الأستاذ محمد رضا بن الحاج منصور بن حسن ال نصرالله.
إن هناك ملامح هامة في شخصية الأستاذ نصرالله كانت سببا لوصوله إلى المقام الرفيع سواء كرائد من رواد الصحافة في العالم العربي أو كعضو مجلس الشورى السعودي، ويمكن اختصارها في:
1/ العصامية
وإذا كان أبا فراس عصاميا بذاته وتكوينه كما يقول الشاعر النابغة الذبياني في معلقته الشهيرة:
نَفْسُ عِصَامٍ سَوَّدَتْ عِصَامَا *** وَعَلَّمَتْهُ الْكَرَّ وَالإِقْدَامَا
وَصَيَّرَتْهُ مَلِكًا هُمَامَا *** حَتَّى عَلاَ وَجَاوَزَ الأَقْوَامَا
لكن الحقيقة تقتضي القول ان هنالك فضلا يعود لوالده المربي النبيل الحاج أبا محمد رضا منصور نصر الله.
أبا فراس شخصية عصامية بل نموذجا للعصامية، والإرادة الناعمة، فلم تكن إصابته المبكرة بشلل الأطفال عائقا لانطلاقته ولا مبررا لتقوقعه وإنزواءه، بل كانت دافعا وحافزا لحركته الاجتماعية وانطلاقة في رحاب عالم الثقافة، فكما أصبح الدكتور طه حسين رحمه الله وزيرا في مصر وهو كفيف البصر، وصار الأديب اليمني عبدالله البردوني رحمه الله شاعر اليمن الأول وهو كفيف البصر ايضا، وغيرهم، هنا ابا فراس الذي بلغ مراتب عليا في المجتمع وفي الدولة السعودية الحديثة بكل جدارة وإستحقاق.
2/ وضوح الرؤية وتحديد المسار
عندما تتضح لدى المرء الرؤية يسهل عليه تحديد مساراته واتخاذ قراراته ويتمكن من العبور وتجاوز الصعاب والطرق الوعرة، وهذا بالضبط ما كان يمتاز به الأستاذ نصرالله في بداية شبابه وحياته العلمية والعملية التي اختطها لنفسه.
ولأن الرؤية كانت واضحة منذ بداية مشواره وإقامته في العاصمة الرياض، فقد أدرك مبكرا إن الوطن واحد وللجميع، من دون أدني تفرقة وحساسية مذهبية، أو شرذمة مناطقية، أو عصبية قبلية.
وبدأ واسع القلب والصدر، مبادرا للعطاء قبل الأخذ، مقدما التوافق على التفارق، والحب قبل البغضاء، غض نظره وصم سمعه عن كثير من التجاوزات والترهات في وسط مزدحم ومليء بالعذّال وما اكثرهم، ولذلك استحق ان يكون محمد رضا نصرالله في القمة ومحل ثقة وتقدير كل من يعرفه.
3/ الهمة والطموح العالي
ذهب مبكرا إلى العاصمة الرياض وتحديدا في سنة «1973م» ملتحقا بكلية الآداب بجامعة الملك سعود، في وقت كان الذهاب إلى الرياض لا يخلو من مشقة، وكأنه سفر إلى الخارج، حتى أن أولئك الذين ذهبوا إلى الرياض كانوا يحسبون الأيام والساعات والدقائق متى تنقضي ليعودوا إلى مناطقهم متى ما سنحت لهم الظروف والفرصة، أما الأستاذ نصرالله وربما قلة آخرون فقد كابدوا الغربة عن أهاليهم، فنالوا باستحقاق مراتبا عليا وساهموا في بناء الوطن، فكان من هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر الدكتور جميل الجشي والدكتور عبد الجليل السيف والدكتور محمد الخنيزي.
مئات بل آلاف تخرجوا من جامعات المملكة في الرياض وجدة وغيرها وعادوا إلى مناطقهم لكن الأستاذ أبو فراس تخرج من الجامعة في الرياض سنة 1977م وبين يديه كم هائل من العلاقات مع كبار المثقفين والادباء فأبى الا ان يبقى ويتجذر ويواصل الدرب ليبدأ مشواره انطلاقا من الرياض في خدمة الوطن وتكوين العلاقات مع كبار المعاصرين من أعمدة الأدب السعودي كالعلامة الشيخ حمد الجاسر الذي كان اول الحضور في زواج الأستاذ نصرالله في القطيف في 1985م، والأديب الشيخ عبدالله بن خميس وغيرهم يرحمهم الله، وبدأ يكتب ويحرر في صحيفة الجزيرة تارة وصحيفة الرياض تارة أخرى وكانت علاقاته متميزة جدا مع رؤساء التحرير العمداء الأستاذ تركي السديري وخالد المالك رحمهما الله فكان يتعامل مع الكبار منذ بداية مشواره مما ينم عن طموحه وهمته العالية.
ولم يكتف بصولاته المحلية بل انطلق إلى ملاقاة عمداء الثقافة والسياسة والأدب في العالم العربي، من الشرق تارة ومن الغرب تارة أخرى، وفي أكثر من برنامج حواري للتلفزيون السعودي وغيره، في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، فحاور عمداء الأدب والسياسة العرب ومنهم: توفيق الحكيم، نجيب محفوظ، زكي نجيب محمود، يوسف إدريس، محمد مهدي الجواهري، أدونيس، وبُلند الحيدري، فاروق الشرع، حنان عشراوي، فيصل الحسيني، الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وغيرهم.
هذه الحوارات تعد اليوم مصدر اشعاع وإضاءة وثروة كبيرة في أرشيف الثقافة والفكر والادب والسياسة على امتداد العالم العربي، وقد طبعت هذه الحوارات في ثلاث مجلدات فاخرة بعنوان حوارات القرن، والناشر هو المركز الاكاديمي للأبحاث بالعراق.
4/ الاهتمام بالشأن الوطني
المملكة العربية السعودية كانت هي المحور والمرتكز بل هي كل شيء في حياة نصر الله، سخر لها كل ما يمكن ان يسخره مواطن صادق محب لوطنه. وهناك امثلة كثيرة لا يمكن حصرها في هذه الكلمات ولا تحصى في أسطر قليلة. ويكفي ان نذكر ان علاقة مبكرة ووثيقة تربطه وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، والذي كان يرعى المثقفين والإعلاميين في بلادنا.
وكذلك مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز رحمه الله، فكانت بصمات أبا فراس ولمساته في المهرجان الوطني للتراث والثقافة في الجنادرية، من السنوات الأولى لتأسيس ذاك المهرجان.
وقبلهم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله، ووليا العهد الراحلين الأمير سلطان بن عبدالعزيز والأمير نايف بن عبدالعزيز رحمهما الله، وكذا مع سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، وطبقة الأمراء والوزراء والمسؤولين وجميعهم يبادلوه شعوره الصادق تجاه الوطن وهو محل ثقتهم وتقديرهم.
5/ الحب الدائم للشرق
الإقامة في الرياض كانت تعني ان يكون الأستاذ نصرالله خير سفير من الشرق السعودي للوسط السعودي وان يعكس ما يكنه أبناء الشرق لوطنهم وقيادتهم من حب وولاء وإخلاص، وكذلك كان يسعى جاهدا لأن يقدم لمسقط رأسه أي فرصة تنموية أسوة بباقي محافظات الوطن، وأذكر فيما اذكر كيف تابع ما يعرف اليوم طريق التحدي الممتد من دوار مدينة صفوى شمالا إلى شارع الملك فيصل جنوبا مرورا بالعوامية والقديح وبلدة البحاري، وكم كان سعيدا وهو يزف الخبر لأصدقائه يوم تم اعتماده في احدى ميزانيات الدولة قبل اكثر من عشر سنوات.
لم تكن المسافة بين الرياض والقطيف عائقا لإهتمامه بالقضايا الإجتماعية والتنموية لمسقط رأسه القطيف التي يحبها وتحبه. وأعرف شخصيا قضايا جمة صغيرة وكبيرة قطع من اجلها الصحراء القاحلة من نجد إلى القطيف في الطائرة تارة والقطار تارة أخرى والسيارة مرات ومرات في عز الصيف القائظ أو عز الشتاء الممطر ولربما لأكثر من مرة في الأسبوع الواحد، ولذلك صار محمد رضا نصرالله هو محمد رضا نصرالله ولا انسى الثقة الكبيرة التي كان يوليها إياه الراحل العلامة الشيخ عبد الحميد الخطي «1913م-2001م» قاضي محكمة المواريث والاوقاف الأسبق بالقطيف رحمه الله لأي أمر ذا علاقة بالقيادة والعاصمة وحاجات المنطقة فيها.
الحديث يطول ولا تكفيه هذه الأسطر ولا يسعنا هنا الا ان نجدد له كل الحب والود والاحترام أستاذا واديبا ومثقفا وطنيا نسعد ونفخر حينما يشار اليه بالبنان من أبناء الوطن أو العالم العربي.
حفظ الله ابي فراس وأمد في عمره كريما معطاء كما عهدناه.