حماية المجتمع
التحركات الصادقة لحماية البيئة الاجتماعية من السلوكيات السيئة، والممارسات المدمرة، مسؤولية جماعية، وليست قاصرة على الجهات المسؤولية، خصوصا وأن انتشار تلك السلوكيات الشاذة لا ينحصر في الفئات الممارسة لها، بقدر ما يمس مختلف الشرائح الاجتماعية، ”الخير يخص والشر يعم“، ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ [النور: آية 19]، وبالتالي فإن المسؤولية الملقاة على عاتق مختلف الفئات الاجتماعية، تفرض اتخاذ الخطوات الضرورية، للتغلب على مختلف السلوكيات السيئة.
التعاطي بحزم مع أصحاب السلوكيات السيئة، أمر مطلوب على الدوام، خصوصا وأن التراخي والتغاضي يجلب معه العديد من الويلات على البيئة الاجتماعية، مما يستدعي التحرك وفق قراءة واضحة، من أجل وضع الأمور في المسارات السليمة، بحيث تتخذ من الوسائل القانونية والمشروعة طريقا لتقويم السلوكيات المعوجة، لاسيما وأن الانخراط في مسلك الأخلاق الطالحة، يكرس ثقافة سلبية في البيئة الاجتماعية، الأمر الذي يمهد الطريق للدخول في دائرة الخطر على المدى البعيد.
تشخيص الأمور، ومحاولة التعرف على العوامل المساعدة، على انتشار الظواهر السلبية في البيئة الاجتماعية، عملية أساسية قبل إطلاق المعالجات، واعتماد الآليات لتصويب تلك السلوكيات الشاذة، خصوصا وأن العشوائية والارتجالية تجلب معها الآثار المدمرة، سواء على الفئات المستهدفة، أو النتائج المرجوة، الأمر الذي يتطلب اتخاذ الوسائل المناسبة وفقا للظروف الاجتماعية من جانب، ومدى استجابة الأطراف المستهدفة من جانب آخر، لا سيما وأن عملية إصلاح السلوكيات السيئة بحاجة إلى الكثير من الجهد، والمزيد من الصبر، فعملية الإصلاح تستدعي انتهاج الخطوات المتدرجة، بخلاف عملية الهدم التي تكون دفعة واحدة وسريعة.
وجود الوعي الاجتماعي المناسب للتعاطي بأسلوب متزن مع السلوكيات الشاذة، يساعد في وضع الحروف على النقاط، خصوصا وأن الوعي الاجتماعي يمثل الانطلاقة الحقيقية، للانخراط في عملية البناء الداخلي للسلوكيات السيئة، الأمر الذي ينعكس بصورة مباشرة على طبيعة التعاملات الخارجية بالبيئة الاجتماعية، فهناك فرق كبير بين الإيمان بضرورة الارتقاء بالسلوكيات الاجتماعية، والتحرك العملي لتصويب تلك الممارسات على الأرض، بمعنى آخر، فإن الدخول في ترميم السلوكيات الشاذة، خطوة أساسية لوضع البيئة الاجتماعية، في المسلك السليم، بيد أن انتهاج الآليات المناسبة بحاجة إلى وعي اجتماعي، قادر على استيعاب الظروف، وكذلك معرفة الملابسات، التي ساهمت في بروز تلك السلوكيات، لدى بعض الفئات الاجتماعية، خصوصا وأن دراسة تلك الظروف والتعرف على المسببات، يسهم في تحريك الأمور في الاتجاهات المناسبة، بعيدا عن حالة الفوضى والارتباك المصاحب، لعملية الانخراط في تقويم تلك السلوكيات، والعمل على وضع البدائل المناسبة للارتقاء بالسلوك الجمعي، لدى مختلف الفئات الاجتماعية.
المبادرة الفردية لتقويم بعض السلوكيات الشاذة، ظاهرة صحية على البيئة الاجتماعية، لكنها ليست قادرة على احتضان جميع السلوكيات السيئة، نظرا لمحدودية الإمكانيات في الوصول إلى الكثير من الفئات الاجتماعية، الأمر الذي يفسر الإطار الجغرافي الضيق لبعض المبادرات الفردية في البيئة الاجتماعية، وبالتالي فإن المبادرات المجتمعية الواسعة تشكل الخيار المناسب، لاستيعاب العديد من السلوكيات السيئة، خصوصا وأن القدرات الجماعية تختلف عن الإمكانيات الفردية، سواء بالنسبة لطبيعة التفكير، أو الآليات المتخذة في المعالجات، فضلا عن الموارد البشرية والمالية الشاسعة بين المبادرات الفردية ومثيلاتها المجتمعية، وبالتالي فإن الحصول على النتائج السريعة، والقدرة على إحداث اختراقية حقيقية، على الصعيد الاجتماعي، يتطلب انتهاج العمل الجماعي في المبادرات، عوضا من الثقافة الاتكالية القائمة على المبادرات الفردية.
تقييم نتائج التحركات الجماعية لتصويب السلوكيات الشاذة، عملية أساسية للوقوف على نقاط القوة، والتعرف على نقاط الضعف، خصوصا وأن الممارسات على اختلافها تشهد بعض الإخفاقات، وكذلك تحقق العديد من النجاحات، الأمر الذي يستدعي المراجعة الدائمة لتفادي الإخفاقات، من خلال تصويب بعض الممارسات، ووضع الآليات المناسبة، وبالتالي فإن المراجعة المستمرة عنصر أساسي في حماية البيئة الاجتماعية، من الإصابة بالإحباط جراء عدم القدرة على تصويب، بعض السلوكيات الشاذة في الساحة الاجتماعية.