الحمزة (ع) أسد الله وأسد رسوله
هناك من رسموا لوحة الشرف والعظمة لشخصياتهم من خلال واقع حطوا في أرضه بمواقفهم وكلماتهم الصادقة والخالدة، وهذا التاريخ كتب سيرتهم بأحرف من ذهب وشهد بأن الزمان لا يجود بمثلهم في كل مرحلة ومنعطف، شخصيات تخلصت من أغلال الانغلاق الفكري والجمود العقلي فخاضت كل الأمور والمفاهيم بعقلية منفتحة فتأملت واستخلصت الدروس والعبر، ومن هؤلاء العظماء مولانا الحمزة بن عبد المطلب والذي كان في أعلى درجات الرقي الفكري والسلوكي، فالوسط الذي عاش فيه - المجتمع المكي - أحاطت به ظلامات الجهل والانحراف العقائدي والأخلاقي والاجتماعي، وفي حين أننا نجد الكثير من الشخصيات تأثرت بذلك المحيط وتلوثت بأفكاره المنحرفة وسلوكياته المعوجة، نجد مولانا الحمزة ممن تنزه من تلك الملوثات الجاهلية وحافظ على شخصيته قويمة ومتألقة لم يصبها لوثة عبادة الأصنام، وتجنب الرذائل والمعايب الأخلاقية كشرب الخمور ولعب الميسر وغيرها، وفي وسط تخبط المجتمع الجاهلي في ظلمات العادات والأفعال السيئة وتجاوز كل الخطوط الحمراء، فوصل الأمر بأحدهم أن يقتل مولوده - فلذات أكبادهم - إذا كانت أنثى في تجاوز خطير للفطرة السليمة وغريزة الأبوة، وانهارت منظومة القيم التربوية والأخلاقية لما تخلى الواحد منهم من عقال الفكر المنظم، واختاروا الانقياد الأعمى خلف الشهوات والانغماس في وحلها، وفي وسط هذه المشهدية نجد من تحلى بالاتزان الفكري والأخلاقي كمولانا الحمزة ، فقد كان في عقيدته على الحنيفية الإبراهيمية الحقة فما أثر عنه السجود لصنم كما كان يفعل قومه، كما أنه في سلوكه وتصرفاته تتميز بالاستقامة والاتزان والأفعال المشرفة، فكان مما اشتهر بفعله مولانا الحمزة هو تقوية قدراته ومهاراته البدنية، من خلال إتقان فنون ركوب الخيل والوصول إلى مرحلة الفروسية المتقنة، وهذا كان عاملا في صنع شخصيته المقدامة والشجاعة حتى شهدت له سوح الوغى بأنه مجدل الأبطال، وقد ورد في سيرته القتالية بأنه كان يخترق صفوف الأعداء اختراقا فلا يبالي بكثرة جيش الأعداء واصطفافهم بجموعهم قباله، فكانت الأبطال تتجنب المواجهة والمبارزة معه لما يعلمونه من شجاعته والمصير الأسود الذي ينتظر من يقاتله، وقد اشتهر بصيد الفرائس من البشر في المعارك والحيوانات في رحلات الصيد التي يقصدها، وبلا شك أن العامل الذاتي في شخصيته وما امتلكه من قدرات فكرية وبدنية، فكذلك العامل الوراثي كان عاملا مهما في صنع شخصيته الكبيرة فهو سليل بني هاشم وأبوه عبد المطلب صاحب الشخصية رفيعة الشأن.
وفي قصة إظهار إسلامه وتصريحه بإيمانه بالدعوة المحمدية ما يشير إلى اتصافه بالوقوف مع الحق والتمسك بالعروة الوثقى ودين الهدى، في وقت كان من الصعب جدا التصريح بالإسلام لما أظهره زعماء قريش من موقف عدائي شديد والتفنن في توجيه الأذى لكل من يقف مع الرسول الأكرم ﷺ، ولكن هذا المقدام وقف بكل صلابة أمام أبي جهل وزعماء قريش في بيت الله الحرام لما سمع بإيذاء أبي جهل لرسول الله ﷺ في تجاوز صلف وعدوان سافر وأذى بدني لرمز الدين الإسلامي وقائده، فرد الصاع صاعين وشج رأس أبي جهل وأعلن كلمة الحق واستعداده لفداء رسول الله وراية الحق بروحه الطاهرة، فما كان أحد منهم ليجرؤ في الرد بكلمة فضلا عن توجيه موقف عملي ضد الحمزة ، مما يدل على معرفة الحضور بشخصية الحمزة الشجاعة فلا طاقة لهم بمواجهته، فآثر أبو جهل الانسحاب المذل وإبداء الاعتذار للحمزة في موقف لا يتكرر أبدا من شخصية صلفة كأبي جهل.
ولنختم بما ذكرته المصادر التاريخية من صفات رائعة للحمزة ، فهو المقدام في سوح الوغى كما شهدت له بدر وأحد، وفي نفس الوقت كان صاحب الخلق الرفيع والمتواضع فكان الجميع يشعر بأريحيته ولطافة حديثه ومعشره، وصاحب منطق معبر وبلاغي جميل، وكفى به تعريفا ما ورد عن الرسول الأكرم ﷺ بتلقيبه بأسد الله وأسد رسوله كناية عن شجاعته وًمواقفه البطولية دفاعا عن الإسلام.