دور مربي الأجيال
يطيب للبعض ويحلوا لهم أن ينالوا من مكانة وقدر مربي الأجيال والانتقاص من دوره لحدث وقع هنا أوهناك، والتفنن في ممارسة طرقا مختلفة في التشويه لصورة المعلم ودوره البناء، وتوهين شخصيته في عمله أمام تلاميذه، وتقليل من مكانته في مجتمعه، وتعمد البعض لاتخاذ هؤلاء المربين مسرحا للسخرية والإسقاطات والقناعات الشخصية والتي لا تتماشى مع ما للمعلم من مكانة يحظى بها في نفوس النشء ومكانة مرموقة في ثقافة وأدبيات المجتمع.
المعلمون هم سراج العباد وعماد البلاد، ويجب على طلابهم الدعاء لهم والثناء عليهم واحترامهم لتكبدهم المشقة معهم، هذا الأدب قد جاء ما يدلل عليه في كتاب الله - سبحانه - فقال: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ «المجادلة: 11»
قال الإمام علي، : ”مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ ولْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ ومُعَلِّمُ نَفْسِهِ ومُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالْإِجْلاَلِ مِنْ مُعَلِّمِ اَلنَّاسِ ومُؤَدِّبِهِمْ“.
ورحم الله الأديب والشاعر الكبير أحمد شوقي حين قال:
قم للمعلم وفه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا
أعلمت أشرف أو أجل من الذي
يبني وينشئ أنفسا وعقولا
حظي التعليم من قبل الدولة - أيدها الله ورعاها - بأهمية بالغة ومستمرة وسخرت لأجله كافة الإمكانات المادية والبشرية ووضعت له أهدافا تتناسب مع كل مرحلة؛ لما لذلك من دور بالغ الأهمية في بناء الإنسان ونموه نموا طبيعيا، وتحقيقا في جودة التعليم ومخرجاته.
لذلك سعت الدولة ممثلة في وزارة التعليم في جعل الطالب محورا للعملية التعليمية وأسها الذي سخرت لأجله الإمكانات لينشأ فردا صالحا منتجا مثمرا. فعلينا أن نبتعد عن لغة التعميم التي يسعى البعض لممارستها وإبراز مواهبهم ومهاراتهم فيها، ونيل قصب السبق الصحفي في حدث ما، وتضخيم الأمور بطريقة تؤول في نهاية المطاف إلى تجييش وتصويب السهام نحو مربي الأجيال، وهنا ينبغي طرح تساؤلا مهما جدا وهو لمصلحة من يكون هذا كله؟!!
ونؤكد ونقول إنه لا يمكن التغاضي والتساهل والتبرير لخطأ وقع من معلم أو طالب سواء كان خطأ سلوكيا أو فنيا؛ بل لابد من معالجته بالطرق التي تتناسب مع هذا الخلل، وترك الأمور للمعنيين والمختصين لتصحيح هذا الخطأ وتعديله ضمن سياقه الصحيح بناء على المعايير التربوية المتبعة وتطبيق الأنظمة والتعليمات الواردة من الجهات المعنية، وتفعيل لائحة السلوك والمواظبة والتي أنشأت لهذا الغرض.
فلو نظرنا وتتبعنا لمواقع التواصل التي تتناول المشكلات المتعلقة والمختصة بالتعليم فإننا سنجد ممن يتداولون مثل هذه الأخبار هو عدم امتلاكهم للتخصص في هذا الشأن هذا من جانب، ومن جانب آخر هو الغرابة في إصرارهم على أن يتم تناول وتحليل لهذه المشكلات بطريقة بعيدة عن أدوات العلاج التربوي والأسس الفنية وعدم وضعهم لها في سياقها العلاجي الصحيح والمناسب، وبعبارة أخرى إبعاد الحلول المتبعة عن المعايير المهنية المعتبرة لمعالجة مثل تلك الأمور، وأخذ مثل هذه القضايا إلى منحى يسوق الأمور إلى وضع لا يستفيد منه الجميع بل سيكون ضرره أكبر من نفعه، فتراه يؤجج ويفسح المجال لكل من يستهويه إثارة مثل هذه المواضيع في كل واد ومحفل.
فلنترك علاج مثل هذه المشاكل التي تحدث في داخل البيئة التعليمية إلى ذوي الشأن والمعنين من التربويين وأولياء الأمور ليتم التعاطي معها وحلها ضمن السياق الطبيعي والمناسب؛ حتى لا تخرج عن المعقول والملائم، والبعد عن التدخل من قبل بعض المتلهفين والذين يهوون مثل هذه الأجواء ويعيشون ويبنون حياتهم ضمن دائرة الصخب ولا يهدأ لهم بال إلا بتصيد خطأ حدث في هذا المكان أو ذاك.
فدور المعلم لا ينحصر بإلقاء المعلومات وإيصالها لتلاميذه فحسب؛ بل هو من سوف يترك فيهم أثرا سيظهر عليهم في مجمل حياتهم وممارساتهم وقناعاتهم المستقبلية فلنترك هذا الهدف أن يتحقق دون إعاقة أو تشويش.
المعلم المتميز هو من يدرك طبيعة المرحلة العمرية للطالب، وهو من يمتلك المهارة المناسبة ليجعل هذا الطالب متقبلا لمثل هذه المعلومة وقناعته بها بطريقة سلسة وانسيابية؛ ليكون مؤدى ذلك إلى أن نحضي بجيل متزن عاطفيا ومنتجا، ولهم دور فاعل في بناء وخدمة وطنهم. نقول سيظل المعلم بشرا كغيره من الناس تنتابه ظروف ومشاكل صحية ومادية وغيرها، لكن على الرغم من ذلك كله تجده يحرص على أن يكون توازنه الانفعالي ضمن ما هو مطلوب لكي يوصل رسالته بأتم وجه وأحسن صورة.
فالمعلم هو ممثل القدوة الحسنة لطلابه والمثال الذي يحتذى به في الأخلاق والمثل والقيم والذي سيظل طلابه يذكرونه مهما تقدم بهم العمر وتعالت بهم الرتب والمناصب.