الحقائق والأسرار
اختلاف الحلفاء يفتح الأبواب المشرعة، أمام نشر الغسيل أمام الملأ، فالأسرار التي يحاول الحلفاء الإبقاء عليها بعيدا عن الأعين، تصبح متاحة للجميع وبشكل علني، بمجرد نشوب حروب كلامية بين أصدقاء الأمس، الأمر الذي يسهم في تعرية هؤلاء أمام الرأي العام الشعبي، بحيث تتحول الشخصيات ”المقدسة“، إلى شخصيات كرتونية أو انتهازية.
اللجوء إلى نشر الغسيل على الملأ إحدى الأوراق المستخدمة، حيث يحاول ”أصدقاء الأمس“ الاستفادة من الحروب الكلامية، في إضفاء بعض المصداقية للاتهامات المتبادلة، الأمر الذي يدفع للاستعانة بالأرشيف القديم، والتاريخ ”المخفي“، بهدف إحراج ”حليف الأمس“ من جانب، واستقطاب الرأي العام الشعبي من جانب آخر، وبالتالي فإن ورقة الأسرار والحقائق ليست سياسة ثابتة، أو تحولا في التفكير، واعتماد الشفافية في التعاطي مع الأحداث والتطورات، على الساحة الاجتماعية، بقدر ما تمثل إحدى الأوراق الرابحة المستخدمة، لتسجيل النقاط على حساب ”حليف الأمس“.
القدرة على حسم معركة الخلاف مع ”حليف الأمس“، أحد العوامل الأساسية في اعتماد سياسة ”نشر الغسيل“، فإذا اتسمت المعركة بالسهولة، وإمكانية توجيه الضربة القاضية للحليف السابق، فإن الأسرار والحقائق تبقى طي الكتمان، نظرا لعدم وجود المبررات لاستخدامها، في تلك الحروب الكلامية، وبالتالي فإن السقف الزمني لمعارك الحلفاء يحدد الخط البياني، لاستخدام الأسرار والحقائق، الأمر الذي يفسر التزام ”حلفاء الأمس“ بالعهود المقطوعة، لإبقاء تلك الأسرار بعيدا عن الأعين في بعض المعارك، وخروجها للعلن بشكل غير مسبوق في معارك أخرى.
اختيار الأوراق الرابحة، والعمل على التهديد باستخدام سلاح ”الأسرار“، يكشف نوعية الصراع القائم بين ”حلفاء الأمس“، خصوصا وأن الخلافات الهامشية لا تستدعي استخدام تلك الأوراق على الإطلاق، باعتبارها اختلافات طارئة وسرعان ما يجري تطويقها، من خلال تقديم بعض التنازلات المشتركة، وبالتالي الوصول إلى نقاط مشترك، والعمل على إعادة المياه إلى مجاريها مجددا، بمعنى آخر، فإن نوعية الأسرار المنشورة تكشف تباعد المواقف، وإصرار كافة أطراف ”حلفاء الأمس“ على السير قدما حتى النهاية، نظرا لعدم انعدام بوادر الصلح بين الأطراف المتصارعة.
سياسة الجرعات في البوح عن الأسرار والحقائق، تهدف إلى إجبار ”حليف الأمس“ على تقديم التنازلات، تفاديا لانكشاف الكثير من الحقائق، والإبقاء على ما تبقى من ”قدسية“ لدى الرأي العام، بالإضافة لذلك فإن سياسة الجرعات تستهدف الاحتفاظ ببعض الأوراق الرابحة للفترة القادمة، خصوصا وأن الاختلافات في المصالح تدفع ”حلفاء الأمس“ للدخول في مواجهات مستمرة، مما يستدعي عدم حرق جميع الأوراق الرابحة، من أجل استخدامها في الضغط بالمستقبل، وبالتالي فإن الأسرار التي تخرج للعلن تكون مفاجئة للرأي العام، ولكنها لا تستهدف توجيه الضربة القاضية لـ ”حليف الأمس“ بشكل سريع، خصوصا وأن كل طرف يحاول الاحتفاظ ببعض النقاط، لاستخدامها في الأوقات الحرجة.
أرشيف الأسرار والحقائق لدى ”حلفاء الأمس“، قادر على إحداث الكثير من التحولات في النظرة، تجاه نوعية التحالف القائم، فالحلفاء يحاولون الاستفادة من تلك الأسرار بالطريقة المناسبة، بهدف استخدامها بما يخدم المصالح في المستقبل، الأمر الذي يفسر احتفاظ بعض الحلفاء بالكثير من الأمور ”القاتلة“، بهدف السيطرة على الأوضاع، والحيلولة دون الإقدام على خطوات انتقامية، من قبل أحد الأطراف، وبالتالي فإن الأرشيف يشكل أداة أساسية للبقاء بمنأى عن ”غدر“ الحليف من جانب، والعمل على استخدام الأرشيف في ممارسة ”الردع“ في مختلف الأوقات من جانب آخر.
الحقائق والأسرار المنشورة في أوقات الصراعات، تمثل وثائق تاريخية، حيث تشكل إدانة واضحة، لما يجري في الخفاء بين ”حلفاء الماضي“ تجاه البيئة الاجتماعية، خصوصا وأن بعض الأسرار تدخل في خانة الخيانة الواضحة للقيم الأخلاقية، والمبادئ الإنسانية، الأمر الذي يمثل بداية لانكشاف حقيقة القيم التي يحملها ”حلفاء الماضي“، وزيف كافة الادعاءات التي كانت تتردد على الألسن، في السنوات الماضية.