آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

إدارة الأزمات

محمد أحمد التاروتي *

تمثل الإدارة الاحترافية للأزمات عنصرا أساسيا، في امتصاص الآثار السلبية الناجمة عنها، فالتحرك الواعي يعطي نتائج سريعة على الصعيد الاجتماعي، من خلال التخفيف من التداعيات النفسية على بعض الشرائح الاجتماعية، خصوصا وأن الأزمات على اختلافها تعصف بالواقع الاجتماعي لبعض الفئات الشعبية، فيما تخدم شرائح اجتماعية أخرى، الأمر الذي يفسر ظهور أشخاص مجهولة للواجهة خلال الأزمات الكبرى، واختفاء شخصيات نافذة في تلك الفترة العصيبة.

الإدارة الاحترافية للأزمات تتمثل في اتخاذ الوسائل المناسبة، وكذلك اختيار التوقيت الدقيق، فالنجاح مرتبط بالقدرة على توظيف الإمكانات الذاتية، فيما يعود على البيئة الاجتماعية بالفائدة الكبرى، بحيث تنعكس على أشكال متعددة، بعضها ذات علاقة بانتشال بعض الشرائح الاجتماعية، من حالة الصدمة والانهزامية، والبعض الآخر يتمثل في إيجاد السبل الكفيلة بتحريك المجتمع باتجاه الجانب الإيجابي، خصوصا وأن الأزمات تحمل في الغالب جوانب سلبية ظاهرة، وتلقي بظلالها على مختلف الفئات الاجتماعية، والجوانب الإيجابية غير المرئية، مما يستدعي العمل على إزالة الغبار عن تلك الجوانب، لإبرازها للفئات المتضررة من الأزمات الكبرى، بهدف ترميم النفوس المحطمة من وراء انفجار الأزمات في المجتمع.

عملية النهوض الشاملة تتطلب الكثير من البرامج، القادرة على دراسة الواقع الاجتماعي، وكذلك خلق أجواء قادرة على استيعاب الحدث بالقدر المطلوب، خصوصا وأن الأزمات تحدث صدمة كبرى في النفوس، مما يؤثر على القدرة العقلية لدى بعض الفئات الاجتماعية، بحيث يجعلها في حالة شلل نفسي، يدفعها للاستسلام للواقع الصعب، وبالتالي فإن تحريك البيئة الاجتماعية بالاتجاه الإيجابي، يسهم في وضع الأمور في المسارات السليمة، مما يؤسس لمرحلة مختلفة ومغايرة تماما، بخصوص النظرة تجاه الواقع المعاش، بحيث تتجسد في تنامي التفاؤل في النفوس، الأمر الذي يساعد في الانتفاضة الداخلية لتغيير الواقع الصعب، بما يساعد في توظيف الأمور في الاتجاه المناسب.

الرؤية الشاملة للأمور تساعد في إيجاد المعالجات المناسبة، فالانتقائية ليست قادرة على تحريك الأزمات بالاتجاهات المناسبة، نظرا لوجود وجوه عديدة للأزمات، مما يستدعي التحرك بشكل واع لدراسة المشهد بشكل كامل، بهدف التعرف على أوجه القصور، والبحث عن البدائل المناسبة، خصوصا وأن الأزمات على اختلافها تصيب العديد من الفئات الاجتماعية، بالانهزامية والافتقار للقدرة على الصمود، مما يستدعي وضع تلك الاعتبارات في الحسبان، من خلال استخدام سلاح التدرج في استخدام المعالجات بطريقة احترافية، بعيدا عن الانفعالية التي تترك تداعيات يصعب التكهن بانعكاساتها، على التفكير الاجتماعي.

سياسة التدرج في اختيار الحلول العملية لإدارة الأزمات، عنصر فاعل في خلق ثقافة إيجابية لدى الفئات المتضررة، خصوصا وأن سياسة الصدمات الكبرى ليست قادرة على استنهاض مختلف الشرائح الاجتماعية، مما يستدعي انتهاج سياسة ”الخطوات“ باعتبارها أكثر قدرة على توظيف الأمور بالاتجاه السليم، لا سيما وأن هناك فئات غير قادرة على استيعاب الحلول بشكل مباشر، فضلا عن وجود فئات بحاجة على بعض الوقت لاستعادة توازنها مجددا، نظرا لتأثير الأزمات على طبيعة التفكير لديها، مما يتطلب اتخاذ الإجراءات والسياسات المناسبة، للتعاطي مع مختلف الشرائح الاجتماعية، انطلاقا من اختلاف طبيعة التفكير، وكذلك تبعا لنوعية الضرر الناجم عن تلك الأزمات، على الوضع الثقافي والنفسي، فضلا عن التداعيات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية.

القدرة على تحريك الأزمات بالاتجاهات الإيجابية، عامل حيوي في تعزيز ثقافة النهوض، وعدم الاستسلام لدى الفئات الاجتماعية، خصوصا وأن هول الصدمة تدفع بعض الشرائح لرفع الراية البيضاء مبكرا، مما ينعكس سلبيا على الإدارة الاجتماعية لمواصلة مشوار العطاء، والفشل في تحقيق الانتصارات والنجاحات، سواء على الإطار الفردي أو على الصعيد الجمعي، بمعنى آخر، فإن الرغبة في انتشال البيئة الاجتماعية من الواقع الصعب، الذي خلفته الأزمات على التفكير الشعبي، خطوة واحدة وهامة، ولكنها تبقى عاجزة عن تحقيق الكثير من الإنجازات على الأرض، دون وجود فريق قادر على الابتكار، وكذلك امتلاك القدرة على التأثير في البيئة الاجتماعية، من أجل نفض غبار الخمول، والدخول في مرحلة البناء الذاتي، والتشييد الاجتماعي، الأمر الذي يترجم على أشكال متعددة، منها الانخراط الواسع في مختلف البرامج، ذات القدرة على إعادة برمجة الأولويات، بما ينسجم مع الهدف المشترك، بالإضافة إلى تسخير الأزمات، بما يخدم الواقع الاجتماعي على المدى البعيد.

كاتب صحفي