نقد النزعة الأيديولوجية
يكثر الحديث عند الباحثين في المجال الفكري بشكل كبير عن مفهوم الأيديولوجيا لِما تُبديه من تأثير على الفكر الإنساني. يُذكر بأن بداية ظهور مفهوم الأيديولوجيا وقتها كان يُسمى ”علم الأفكار“، لكن بعد ذلك أخذ مفهوم الأيديولوجيا منحى آخر وتعددت تعاريفه. ليس الغرض الحديث عن تعريف الأيديولوجيا وتاريخها، بل الغرض تصويب النظر نحوها ولو بنسبة بسيطة.
أميل لهذا الرأي الذي يرى الإنسان، أي إنسان، لا يخرج عن دائرة الأيديولوجيا، أي لا يوجد إنسان لا يملك أفكاراً ومعتقدات يؤمن بها ويصر عليها، ليس لأنها صحيحة، بل لأنها تُمثل هويته وتصوراته حول المفاهيم. إذ، لدى الإنسان مفاهيم يتشبث بها، كأن المساس بها يهز من كيانه الشخصي. لكن صلب الموضوع ليس هذا، بل مدى تأثير الأيديولوجيا حول الفرد، إذ، تتمثل الأيديولوجيا بأنواع وتصورات ومفاهيم عديدة.
الانتماء قد يولّد نزعة أيديولوجية، لماذا؟ يوجد أفراد عديدون تارةً يتأثرون بأفكار قد تكون من الخارج لمّاعة، إذ ينجذب لها الشخص ويتأثر بها، ومن خلال هذا التأثير المباشر، يميل ويندفع بصورة مبالغة تجاه هذا الانتماء الذي ينتمي له، ومن خلال هذا الانتماء الذي ينتج الأفكار والتصورات، يرى الحياة بما فيها من ثقافات، أديان، إثنيات، وغيرها من تنوعات، يراها بعين ضيقة، عين الانتماء، الانتماء الذي ينظر لهذا التنوع بصورة صغيرة جدًا، وكأن الحياة تُعاش من خلال هذا الانتماء.
الأيديولوجيا سجن، سجن يُضيق على الإنسان، من خلال هذا السجن يُصّنف الآخرون، ينظر بعين واحدة، تنظر لاتجاه واحد، تفتقد النظر لمختلف الاتجاهات، أي إما نحن أو هم، حق أو باطل، أبيض أو أسود، غني أو فقير، بمعنى إما معي أو ضدي، هكذا يعتقد الإنسان الأيديولوجي، إنسان فاقد المعنى، إنسان تُحركه الانفعالات والحماس والمشاعر، يفتقد العقلانية، يميل نحو الأحلام والمتخيلات الطوباوية. يقول الدكتور عبدالجبار الرفاعي في كتابه الدين والكرامة الإنسانية: يتبنى الأيديولوجي نموذجًا تفسيريًا مسطّحًا أحاديًّا للإنسان وللواقع، يمنحه شعورًا مزوّرًا بأنّه قادرٌ على الفهم الدقيق والتحليل العميق لكل شيءٍ، وأنّ أفكاره مبتكرةٌ فريدةٌ، ويوحي له ذلك التفسير بنزعةٍ رسوليةٍ خالصةٍ، وشخصيةٍ نبويّةٍ إنقاذيةٍ.
الخروج من النمط الأيديولوجي، يتطلب التحرر من هذا النمط. الانفتاح على العالم، بوصفه عالم متنوع، متعدد، لا عالم ضيق، عالم مؤطر، العالم ليس بيئتنا، تصوراتنا الذهنية، الثقافة المحيطة بِنَا، مفاهيمنا الفكرية، العالم خلاف هذا، العالم يُعاش بالتقبل، التسامح، الانفتاح على الجميع بوصفهم بشر، بشر مُجّردين من إيمانهم الشخصي.