تحديات الصراعات
تكمن خطورة الصراعات الدامية، في التداعيات والانعكاسات المترتبة عليها، فهذه المخاطر تبقى ماثلة في البيئة الاجتماعية لسنوات عديدة، وأحيانا لعقود طويلة، بحيث يصعب تجاوز آثارها المادية والنفسية على الأجيال المكتوبة بنيرانها، وكذلك الأجيال المتعاقبة، فالصراعات لا تفرق بين المعتدي والمعتدى عليه، وكذلك بين الرجال والنساء والكبار والصغار، الأمر الذي يضع المجتمع أمام تحديات كبرى، للتعاطي مع تلك الانعكاسات الشاملة على البيئة الاجتماعية.
إطلاق الشرارة الأولى للصراعات يشكل عنصر مفاجئة، يصيب البعض بحالة من الذهول، مما ينعكس على طبيعة المواقف المتخذة، فهناك من يجد في نشوب الصراعات فرصة كبرى، للحصول على بعض المكاسب السريعة، جراء الفوضى العارمة، وحالة الفراغ الناجمة عن ارتفاع أصوات الرصاص، على منطق العقل والحكمة، بينما يتخذ البعض جانب الحكمة والتحرك سريعا لتطويق الأوضاع، ومنع خروج الأمور عن السيطرة، نظرا للخطورة الكبيرة المترتبة على الاحتراب الداخلي، فيما يسلك البعض الثالث طريق الانزواء والسكوت، وعدم اتخاذ المواقف الواضحة، انطلاقا من قناعات خاصة تتمثل في ترك الأوضاع تأخذ مسارها بين أطراف الصراعات، فهذه الفئة تعتمد سياسة ”فخار يكسر بعضه“.
تشخيص التحديات الكبرى الناجمة عن الصراعات الداخلية، خطوة أساسية في سبيل التحرك باتجاه ترميم الشروخ الداخلية في الجسد الاجتماعي، خصوصا وأن التخبط والافتقار للقدرة على تحديد مكامن الخطر، والفشل في وضع اليد على التحديات الحقيقية، ينعكس بصورة مباشرة على طبيعة الحلول المقترحة، وبالتالي فإن وضع البرنامج العملي للتعاطي مع تحديات الصراعات أمر بالغ الأهمية، باعتباره المدخل الأساس وراء التحرك السليم، والحيلولة دون الدخول في حلول فاشلة، أو غير قادرة على المعالجة الصحيحة.
عامل الوقت يلعب دورا حيويا، في إعادة البيئة الاجتماعية لوضعها الطبيعي، فالمجتمعات التي تتعاطى بمسؤولية مع تحديات الصراعات، تستطيع إحداث تحولات حقيقية على الصعيد المادي والمعنوي، لدى الأجيال الحالية واللاحقة، خصوصا وأن التراخي في التعامل بوعي مع التحديات الكبرى للصراعات، ينعكس بصورة مباشرة على انتشار الانقسام الداخلي، مما يجعل عملية تصفية النفوس صعبة للغاية، لا سيما وأن الأجيال المتحاربة تحاول تكريس ثقافة ”الحقد“ في المحيط القريب منها، بهدف إعطاء صبغة الأحقية في الدخول بالصراعات الدامية، وبالتالي فإن التحرك السريع قادر على توظيف الأمور في الاتجاه السليم.
إعادة إعمار المباني أمر أساسي، لإعادة الاستقرار الاقتصادي في البيئة الاجتماعية، خصوصا وأن الخراب يترك ندوبا عميقا في العديد من الأصعدة، فالدمار الشامل أدخل الكثير من الشرائح الاجتماعية في خانة الفقر، وإخراج العديد من المجتمع من حالة الرخاء الاقتصادي إلى حالة العوز والحاجة، وبالتالي فإن التحرك الجاد لإعادة الإعمار يمثل انعكاسا عمليا، لعودة الحياة الطبيعية للبيئة الاجتماعية، بعد فترة من الاحتراب وتغليب أصوات المدافع.
ترميم الحالة النفسية للفئات الاجتماعية، يمثل أكبر التحديات التي تواجه المجتمعات البشرية، فالصراعات الدامية تخلق جيلا فاقدا للرحمة، جراء سيطرة آلة القتل على العقول طيلة الصراعات، التي تستمر بعضها لسنوات طويلة، مما يتسبب في إحداث شروخ كبرى في النفوس، سواء نتيجة فقدان بعض الأحبة، أو بسبب رؤية أنهر الدماء تسيل في الشوارع، مما ينعكس بصورة مباشرة على الحالة النفسية لدى الأجيال المعاصرة، وبالتالي فإن التحدي الذي يواجه أصحاب القرار يتمثل في الدخول في صراع مع الزمن، لانتشال أجيال ”الصراعات“، من الحالة النفسية المحطمة إلى الحالة الإيجابية، من خلال رسم واقع مشرق لمرحلة ما بعد الصراعات.
تحديات الصراعات إحدى المعضلات الكبرى، التي تواجه المجتمعات التي كابدت ويلات الحروب، فالبعض منها استطاع النهوض من كبوة تلك الصراعات المميتة، جراء وجود مبادرات حقيقية لوضع المجتمع على سلم النهوض مجددا، فيما ما تزال بعض المجتمعات تواجه صعوبات كبرى، في عملية إعادة التعامل مع تلك التحديات، نظرا للافتقار للإرادة الحقيقية في التعاطي الإيجابي مع تداعيات تلك الصراعات، الأمر الذي يفسر حالة الخصام والتشاحن بين أطراف الصراعات، على الرغم من سكوت أصوات المدافع منذ فترة زمنية.