مصالح الصراعات
وضع الزيت على النار لإدامة الصراعات، سياسة معتمدة لدى أصحاب المصالح، ومحترفي استغلال الظروف الصعبة، حيث تحاول الأطراف المستفيدة وضع ”العصا في عجلات“ كافة المبادرات، وتخريب المساعي الصادقة لإخماد نيران تلك الصراعات، عبر دعم أحد أطراف الصراع ماديا أو سياسيا، بهدف رفض جميع مساعي السلام، والدخول في مفاوضات مباشرة، لتقريب وجهات النظر.
عملية دعم أحد أطراف الصراع تخضع لدراسة دقيقة من جانب، ورغبة بعض الأطراف المتصارعة في الحصول على الدعم المباشر وغير المباشر من جانب آخر، فأصحاب المصالح يفضلون اختيار الطرف الأضعف، كونه أكثر استعدادا لتقديم المزيد من التنازلات من ناحية، وإمكانية السيطرة عليه بشكل أسرع من ناحية أخرى، بينما يتخذ أصحاب المصالح سياسة مغايرة تماما عن المألوفة، من خلال تفضيل الطرف الأقوى على حساب الطرف الضعيف، انطلاقا من رؤية خاصة تتمثل في امتلاك الطرف الأقوى الإمكانات، والقدرات للسيطرة على الوضع خلال فترة زمنية، مما يستدعي التحرك باتجاه الوقوف بجانب الأطراف القوية، من أجل الاستفادة من مرحلة ما بعد الصراع عبر زيادة النفوذ.
إشعال الصراعات لتوظيفها في تحقيق المكاسب، إحدى الوسائل المعتمدة لدى بعض القوى المتنفذة، حيث تعمد لتحريض أحد الأطراف على إثارة الأزمات، من خلال تقديم الكثير من الوعود للوقوف خلفه على الدوام، الأمر الذي يدفع تلك الأطراف لخلق العديد من المشاكل، من أجل خلط الأوراق لتحقيق بعض المآرب الخاصة، حيث يعمد أحد أطراف الصراع إلى انتهاج سياسات غير واضحة، في التعاطي مع الأطراف الأخرى، من خلال استخدام الأساليب الملتوية، والعمل على التنصل من التعهدات والوعود، عبر استخدام مختلف الوسائل، وإطلاق الاتهامات والأكاذيب تجاه شركاء الوطن، بحيث يتجلى في الدخول في مهاترات كلامية، ومواقف تصادمية، الأمر الذي يعطي المبررات لإطلاق شرارة الصراعات على الأرض.
استغلال الأزمات والصراعات القائمة، ينطلق في الغالب من الغايات والأهداف المرسومة، فتارة تكون لأغراض واضحة ومباشرة، للاستحواذ على الساحة، والعمل على تسخير أحد الأطراف الفاعلة لتحقيق تلك الغايات المنشودة، وتارة أخرى تستخدم الصراعات لإحراق الأرض، وتدمير جميع الأطراف، من خلال تقديم المساعدة لمختلف أطراف الصراعات، لإضعاف كافة الأطراف، وبالتالي فقدان القدرة على حسم الصراعات بشكل مباشر أو غير مباشر، فالخشية من نهوض تلك المجتمعات، والخوف من قدرتها على ممارسة دورها الطبيعي، على الساحة العالمية، تشكل أحد الأسباب وراء انتهاج سياسة ”الأرض المحروقة“، نظرا لوجود أطراف تسعى لامتلاك قرارها، بعيدا عن الضغوط الخارجية، مما يستدعي وضع سياسة قادرة على إخراج تلك الأطراف من الساحة، والعمل على إدامة الصراعات لفترة طويلة، لدفعها للتخلي عن استقلالية القرار، وطلب المعونة من الأطراف الخارجية، نظرا لافتقارها للإمكانيات المادية والسياسية، القادرة على مواصلة الصراع بذات الزخم السابق.
الاعتماد على الأطراف الخارجية، في إطفاء نيران الصراعات الداخلية، تارة يكون مناسبا، ويساعد في تحريك الملف سريعا، نظرا لامتلاك بعض الأطراف الخارجية الأوراق القادرة، على لجم تلك الصراعات بشكل مباشر وغير مباشرة، فيما يكون الاعتماد على العامل الخارجي في إخماد الصراعات بمثابة الانتحار، خصوصا وأن الأطراف الخارجية ليست في وارد التدخل، دون الحصول على ضريبة الانخراط، في رأب الصدع بين الأطراف المتصارعة، مما يدفعها لاستخدام سلاح ”المساومة“ للحصول على المكاسب، قبل الإقدام على الخطوات العملية، لجمع أطراف الصراعات حول طاولة المفاوضات، خصوصا وأن المصالح تمثل المحرك الأساس، وراء مساعي بعض الدول، لإعادة الهدوء وممارسة الضغوط، على أطراف الصراع لتحكيم صوت العقل، والحفاظ على السلم بعيدا عن منطق القوة، والتخلي عن سياسة التخوين بين أطراف الصراع.
تبقى الصراعات مفتاحاً لدى بعض الأطراف الدولية، لتحقيق المكاسب السياسية، وتوسيع النفوذ بطريقة مباشرة وغير مباشرة، حيث يجد أصحاب المصالح الطريق مفتوحا للحصول على تلك المكاسب، جراء استعداد بعض أطراف الصراع لتقديم الكثير من التنازلات، في ظل هذه الظروف الاستثنائية، الأمر الذي يفسر تجاهل أصحاب المصالح للنداءات الصادقة، بضرورة التدخل السريع لإطفاء نيران الصراعات، التي يتم إشعالها بشكل مفاجئ بين فترة وأخرى.