آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

مماحكات ثبوت الهلال

محمد باقر النمر

عندما يكون تهليل وتكبير المسلمون في يوم العيد تهليلًا وتكبيرًا واحدًا تكون الفرحة والسرور أكبر وأجمل، وهو مؤشر متواضع على وحدة الأمة، تتجلى فيه - بالإضافة إلى فرحة العيد - فلسفة العيد الذي هو يوم جعله الله للمسلمين عيدًا. وحين يكون العيد يومين «أو ثلاثة» كما حصل ويحصل في كثير من السنوات فهو من مؤشرات الفرقة والتشرذم.

من هنا يذهب المرجع الراحل السيد أبو القاسم الخوئي «رحمه الله» إلى ما يعرف بوحدة الأفق؛ فحين يثبت الهلال في أي مصر من الأمصار، فيثبت في كل آفاق وأمصار المسلمين، بشرط الاشتراك معها في جزء معتد به من الليل، خلافًا للشيخ البشير النجفي الذي يكتفي بالاشتراك بجزء من الليل وإن كان يسيرًا، وعلى هذه البلاد المتحدة في الآفاق أن تُقيم العيد؛ بدليل دعاء يوم العيد المأثور ”... أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدًا“.

وصادف هذا العام 1444ه كما في بعض الأعوام السابقة» أن عيد الفطر أصبح يومين، لا يومًا واحدًا، هما الجمعة والسبت.

واتخذت بعض الدول، بل في المذهب الواحد، أكثر من عيد؛ بناء على المباني الفقهية المعروفة والشائعة بين أهل العلم والدراية.

شخصيًّا منذ كنت لم أشعر يومًا بالحرج من أحد لم يتوافق وقناعتي ومن حولي بثبوت هلال شهر رمضان أو شوال «الذي يعني عيد الفطر من عدمه».

حتى إن في بعض الأحيان، كان في بيتنا «أنا ووالداي وإخواني» من هو صائم، لم يثبت لديه هلال شهر شوال، وآخرون مفطرون يرون انقضاء شهر رمضان وثبوت هلال شهر شوال.

وأبعد من ذلك يتكرر المشهد في بيتي الصغير مع زوجتي وأولادي، ولم أشعر بذرة حرج، ولا هم يشعرون أيضًا.

منذ عشرات السنين كان غرة شهر رمضان وغرة شهر شوال موعد لِلَّغَط، ربما تكون حقيقته لإثبات الذات الجهوية وإلغاء الآخر الجهوي المختلف مذهبيًّا أو مرجعيًّا أو مناطقيًّا حتى، عبر إثبات الهلال والذي هو إحدى آليات التصدي خاصة لدى الزعامة الدينية.

في حين كان الاختلاف في السابق لا يخلو من التشويش والتشكيك في دين والتزام الآخر المختلف مذهبيًّا أو مرجعيًّا. اليوم وجدت صائمين باركوا حلول العيد لإخوانهم المفطرين، ومفطرين يسألون صائمين الدعاء في يوم صيامهم، فكان الاختلاف راقيًّا.

وأشد ما كان يعبر فيه البعض هو التشدد في كلمة أو رسالة أو تغريدة أنه صائم لليوم الثلاثين من شهر رمضان، في إشارة مبطنة بأن من أفطر «ولو لحجة شرعية» بأنه هتك حرمة الشهر!

في العقود المنصرمة كان التعبير عن عدم الرضا عن الآخر المختلف معه في يوم العيد أو الصوم هو أن يقول الصائمون: إن أولئك أفطروا في يوم من أيام شهر رمضان، والآخرون يقولون عن مخالفيهم أنهم صاموا يوم العيد.

وقد كتب بعضهم استفتاء لجهة الاستفتاءات لا يخلو باطنه من تدليس، فيسأل: ما حكم من أفطر في آخر يوم من شهر رمضان ظنًّا منه أنه يوم عيد مع عدم ثبوت الهلال؟ فيأتيه الجواب بعدم الجواز. ويكون الاستفتاء لدى الآخر: ما حكم من صام يوم العيد ظنًّا منه أنه من أيام شهر رمضان؟ ليأتي له ذات الجواب من ذات الجهة بعدم الجواز أيضًا.

لاحظوا كيف كانت صيغة السؤالين؟!

بمعنى أن هنالك تدليسًا في السؤال ذاته، الذي كان ينبغي أن يكون ما حكم من اعتقد ورأى هلال شهر شوال، فأفطر وأقام العيد؟ على الرغم من أن آخرين كانوا صائمين؟

يقابله سؤال ما حكم من تحرى ولم يرَ أو يطمئن بولادة هلال شهر شوال فصام، على الرغم من وجود آخرين أقاموا العيد؟

لكن هذا العام 1444ه كان مختلفًا في مواقف المختلفين تجاه بعضهم بعضًا في اختلافهم.

لم يعد هنالك لغط، بل كان الأمر مريحًا، وبعيدًا عن المماحكات والمناكفات، ربما ذلك يعود إلى ارتفاع في مستوى الوعي، أو التعب من التحديات السلبية بين الفرقاء، وهو أمر لا يخلو من الحُسن أيضًا، وربما هذا الجيل اليوم لم يعد يبالي في ذلك، وليس من أولوياتهم إثبات غرة الشهر ولا آخره، وهو مؤشر يحتاج إلى شيء من التأني والدراسة «أقول ربما»، ولا زال الأمر بحاجة إلى مزيد من البحث.