آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

فرحة العيد

محمد أحمد التاروتي *

فرحة الصائم مع حلول العيد، مرتبطة بالتوفيق الإلهي، بصيام الشهر الكريم، فهذه الفرحة ليست نابعة من لبس الجديد من الثياب، وإنما ناجمة عن الرحمة الإلهية بالتقرب للخالق، بمختلف الطاعات والأعمال الصالحة، طيلة الشهر الفضيل، خصوصا وان الموسم الرمضاني يحرك في النفوس، نحو مزيد من الصفاء الروحي، وطهارة القلوب، نظرا لوجود الكثير من العوامل المساعدة، على التوفيق الرباني للقيام بتلك العبادات الروحية، ”والشياطين مغلولة، فاسألوا ربكم ان لا يسلطها عليكم“.

الزخم الروحي الرمضاني، يمثل إحدى الثمار الكبرى للتوفيق الإلهي، لصيام شهر رمضان المبارك، فالأجواء الروحية التي تخيم على الأجواء العامة، منذ اللحظات الأولى لحلول الشهر الفضيل، تمثل عنصرا محفزا لدى الصائم، في طرق مختلف أنواع العبادات الشخصية، والمبادرة لتقديم المساعدة للفئات الاجتماعية الفقيرة، مما ينعكس بصورة مباشرة على الجانب المعنوي للمسلم، وبالتالي فإن الشحنات الهائلة المكتسبة من الشهر الكريم، تعطي المرء طاقة كبرى، لمواصلة مشوار التزود بالجوانب العبادية، وكذلك الاستمرار في خدمة مختلف الشرائح الاجتماعية، ”كل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد، وكل يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه وذكره وشكره فهو له عيد“.

الشعور بالراحة النفسية إحدى النتائج الملموسة، بعد انقضاء شهر الصيام، فالصائم ينظر بالرضا للذات، من خلال الانتصار على مختلف الغرائز، التي تدفع نحو الهاوية، فالصوم بما يحمل من قيم دينية، وكذلك مفاهيم أخلاقية فاضلة، يضع المسلم على الطريق الصحيح، مما يساعده على التحرك بالاتجاهات الصائبة في الحياة، خصوصا وان الصائم يجد نفسه في معركة نفسية دائمة، بين الركون إلى الأرض، والسمو نحو الأعلى، بيد أن الرغبة في مرضاة الله تنتصر في نهاية المطاف، مما يحدث أثرا نفسيا كبيرا، على الصعيد الشخصي مع انقضاء الشهر الكريم، بحيث ينعكس على حالة التصالح مع الذات، فيما يتعلق بالتقرب من الخالق.

العمل على طهارة القلب من الشوائب المعنوية، عنصر حيوي لتحويل الطاقات السلبية، لدى الإنسان إلى العناصر الإيجابية، خصوصا وان القلوب تصاب بالصدأ بشكل تدريجي، جراء الضغوط الحياتية، والإغراءات الدنيوية، فضلا عن العلاقات الاجتماعية، مما ينعكس بصورة مباشرة على المنظومة الأخلاقية، وبالتالي الدخول في دوامة ”الخبث“، والجنوح نحو الأعمال السيئة، سواء تجاه الذات، أو نحو البيئة الاجتماعية، فالحرص على إزالة التسربات المعنوية العالقة عن القلوب، يسهم في إحداث تحولات عميقة في طبيعة التفكير، بحيث تقود إلى المزيد من التصالح مع الذات أولا، والانسجام الخارجي مع البيئة الاجتماعية ثانيا.

إظهار الفرحة في عيد الفطر المبارك حالة إيجابية، خصوصا وان العيد بمثابة جائزة ربانية للصائمين، على الالتزام بفريضة الصيام لشهر كامل، بالإضافة إلى كون العيد محطة اجتماعية، لتوطيد العلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع الواحد، مما يستدعي خلق الأجواء الاحتفالية في هذه المناسبة الإسلامية السعيدة، لا سيما وان المسلم مطالب بالتفاعل مع جميع المناسبات الدينية، سواء ذات الطبيعة الشخصية، أو ذات الطابع الاجتماعي، بمعنى آخر، فإن فرحة العيد انعكاس واضح على مدى استيعاب المسلم، للمفاهيم المعنوية لإبراز مظاهر السرور والبهجة، لهذه المناسبة الإسلامية، وبالتالي فإن إدراك المعاني السامية لعيد الفطر المبارك، عنصر حيوي في التعاطي، بشكل مختلف مع المفاهيم الظاهرية والمحدودة التي تراود البعض تجاه النظرة الفلسفية لعيد الفطر المبارك.

تبقى فرحة العيد ظاهرة اجتماعية، ذات مغاز معنوية، وإنسانية، وأخلاقية واضحة، فكما أن العيد يشكل فرحة كبرى للعديد من الشرائح الاجتماعية، من خلال الاحتفال بلبس الجديد وغيرها من المظاهر الاحتفالية المتعددة، فإنه - العيد - يعطي المرء فرصة لإعادة التفكير، في منظومة المفاهيم الضيقة، التي تحاصر فرحة العيد ضمن إطار سطحي للغاية.

وكل عام وأنتم بخير..

كاتب صحفي