شهر التوبة 28
أبواب الجنان معروفة وأبواب النيران واضحة، فمفاتيح تلك الأبواب مقرونة بأعمال الإنسان في الحياة، فإذا كانت الأعمال صالحة تقود إلى الفوز والرضوان ”من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ? وما ربك بظلام للعبيد“، فيما يخلد أصحاب الأعمال السيئة في النيران ”ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم“، وبالتالي فإن الخيارات التي ينتهجها الإنسان في العلاقة مع الخالق تحدد مصيره في الآخرة.
اختيار الجنة والخلود في الفردوس، من الخيارات الصائبة على الدوام، بيد أن السير وراء هذا الهدف الكبير، تتخلله الكثير من الصعاب والامتحانات الشديدة، مما يستدعي امتلاك السلاح القادر على تحطيم تلك الصعاب التي تعترض الطريق، خصوصا وان الثبات على طريق الصلاح أمر مطلوب للحصول على الثمرة في نهاية المطاف، فالشيطان يتحرك على الدوام لإغواء الإنسان في جميع المراحل الحياتية، ”قال فبعزتك لأغويتهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين“، وبالتالي فإن الافتقار للقدرة على مقاومة الإغراءات والملذات، ثغرة كبرى في مواصلة مشوار الصلاح، والاستقامة حتى النهاية.
التضحية بما تحمل الكلمة من معنى، عاملا أساسيا في الالتحاق بركب الصالحين، والفائزين في الاخرة، فالفوز بالجنة لا يتأتى بالسهولة على الاطلاق، فهناك الكثير من التضحيات في طريق الصلاح، والثبات على الحق، وبالتالي فان النكوص والتراجع يحول دون امتلاك مفاتيح الجنان في الاخرة، بمعنى اخر، فان الصعاب التي تعترض طريق الحق تكون متعددة البعض، منها بالإمكان تجاوزها بقليل من الإرادة والصبر، والبعض الاخر يصعب تجاوزها بدون تقديم التضحيات الجسام، مما يضع الإنسان عند مفترق الطريق، احدهما يقود إلى الفوز والخلود في الجنان، وثانيهما يمثل السقوط في الدنيا والخيبة بالآخرة، ”أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون“.
الهدف الكبير عنصر فاعل في حركة الإنسان نحو الصلاح، فالأنسان الذي يتخبط في الحياة الدنيا، يفشل في تحقيق النجاحات في الكثير من المجالات، نظرا لعدم امتلاك البوصلة القادرة على تحديد الوجهة الصحيحة، مما ينعكس بصورة مباشرة على مختلف الممارسات العبادية، فهذه الطاعات تكون غير مستقرة أو مفقودة في بعض الأحيان، الامر الذي يحول دون امتلاك لذة القرب من الخالق تعالى، خصوصا وان الاعمال الصالحة على اختلافها وسيلة واضحة، للسير في طريق الصلاح والاستقامة، وبالتالي فان تحديد الهدف الكبير منذ البداية يحفز على الإصرار، في وجه كافة التحديات الحياتية، التي تعترض طريق الوصول إلى تلك الغايات المنشودة.
شهر رمضان المبارك يحفز الصائم، على السير باتجاه القرب نحو الخالق، من اجل قطع المسافات في سبيل الوصول إلى الجنان، فالصوم احدى العبادات تقوي الجانب الروحي لدى المسلم، مما يحركه باتجاه المزيد من الطاعات في سبيل الخلود في الفردوس ”إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا“، و”الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ“، وبالتالي فان الصوم احدى الوسائل القادرة على وضع الإنسان، على الجادة السليمة في طرق أبواب الجنان، ”فرض الله الصيام ابتلاء لإخلاص الخلق“.
وكان من دعاء الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين - - إذا دخل شهر رمضان، ”اللهم: صل على محمد وآله، وألهمنا معرفة فضله، وإجلال حرمته، والتحفظ مما حظرت فيه، وأعنا على صيامه بكف الجوارح عن معاصيك، واستعمالها فيه بما يرضيك، حتى لا نصغي بأسماعنا إلى لغو، ولا نسرع بأبصارنا إلى لهو، وحتى لا نبسط أيدينا إلى محظور، ولا نخطو بأقدامنا إلى محجور، وحتى لا تعي بطوننا إلا ما أحللت، ولا تنطق ألسنتنا إلا بما مثلت، ولا نتكلف إلا ما يدني من ثوابك، ولا نتعاطى إلا الذي يقي من عقابك“.