انقضى الشهرُ مثل حلم المنام!
اللهم لا تجعله آخرَ رمضانٍ نصومه وأعدنا على مثله أعوامًا. نحن ممتنون لك يا ربّ، يا ذا الجودِ والجبروت على هذه الأيام الرائعة في حياتنا؛ جعلت لأيامنا معاني سامية وفرقتَ بين أيامنا وأيام بقية المخلوقات التي لا تدري ولا تعلم ماذا يراد بها. ممتنون لك أيّما امتنان على هذا الشهر، شهر رمضان العظيم.
قبل أيام قليلة كنا نبحث في الأفق عن هلال شهر رمضان والآن نبحث عن هلال شهر شوال! في هذه الأيام يودع القطيفيون شهر رمضان بأرجوزَة وداعٍ حزينة يرددون في جزء منها: وانقضى الشهرُ مثل حلمِ المنام. بعض الأصدقاء لا نحزن كثيرًا عندما يذهبون وما أكثر الاصدقاء أو هكذا اعتقدنا، الذين مروا في حياتنا ولم نحزن عندما اختفوا! بعض الأيام والشهور كذلك مثلها مثل سواها. أما شهر رمضان فليس في الشهور ما يعادله! كان الإمام زين العابدين في وداعه يقول: ”فَنَحْنُ مُوَدِّعُوهُ وِدَاعَ مَنْ عَزَّ فِرَاقُهُ عَلَيْنَا، وغَمَّنَا وأَوْحَشَنَا انْصِرَافُهُ عَنَّا، ولَزِمَنَا لَهُ الذِّمَامُ الْمَحْفُوظُ، والْحُرْمَةُ الْمَرْعِيَّةُ، والْحَقُّ الْمَقْضِيُّ، فَنَحْنُ قَائِلُونَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ اللهِ الْأَكْبَرَ ويَا عِيدَ أَوْلِيَائِهِ“.
كان شهرًا جميلًا في هذه السنة عندنا، الطقس معتدل الحرارة والنهار معتدل الطول! أيم الله، ونحن أيضًا أوحشنا فراقه؛ التقينا وتصافينا وتَزاورنا، ولا بأس فنحن أيضًا أكلنا وشربنا! في بلادنا نقول: على الحيّ ليس بعيد! سوف يعود الشهر ونرجو أن نعود معه جميعًا، وأن يبقى معنا من أثره ومما تعلمنا منه ولو النزر القليل! أم ترانا وكأن شيئًا لم يكن بعد يوم العيد وتبخر كلّ شيء؟
يعود الشهر من جديد وتعود لمّات العوائل والأصدقاء ومجالس الذكر والدعاء وتتجدد الأيام، فما كذب من قال: مسير الحيّ يتلاقى! تعود تكبيرات المؤذن وإزعاج الأطفال في بيت العود ”الجد“ وفوضى الشوارع والسهر والتعب والأكل الشهي؛ كل شيء جميل يعود بإذن الله سبحانه وتعالى!
يمر العمر سريعًا؛ دراسة، زواج، عمل، أبناء، وكأنّ كل ذلك يحدث في يومٍ واحد طويل اسمه العمر! عمرٌ مثل حلم يبدو طويلًا وعريضًا في المنام لكنه ينتهي سريعًا. مع ذلك تبقى ذكريات شهر رمضان من أجمل الذكريات.
ما أردت استحضاره سريعا إلى ذهن القارئ الكريم والقارئة الكريمة هو ما عناه الإمام عليّ بقوله: ”إن عمرك وقتك الذي أنت فيه“. فنحن مسافرون في الزمان وإن كنّا جالسين في منزلٍ واحد. وهذا شهر كامل مرّ وتصرمت أيامه وارتحل وكل الرجاء من الله أن يكون ارتحل عنا بذنبٍ مغفور وسعيٍ مشكور وشملٍ ملموم. وأن نتذكر الليالي والأيام التي جمعتنا مع النّاس الخيّرين الأطياب ويبقى معنا شيء من طيب الشهر وآدابه مدة طويلة!