آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

شهر التوبة 26

محمد أحمد التاروتي *

احترام حرمة شهر رمضان المبارك، يكشف جانبا من المعرفة بأهمية هذا الشهر الكريم، فالصائم الذي يحرص على اجتناب المعاصي، والإقبال على العبادات بجميع جوارحه، كونها طريقا نحو مرضاة الله، ووسيلة للتقرب للخالق، خصوصا وان ارتكاب المعاصي يمثل انتهاكا صارخا لحدود الله، وكذلك استهتارا لحرمة الشهر الفضيل، مما يحفز الصائم على إيجاد الوسائل الملاءمة، للهروب من مختلف أنواع المحرمات، كونها ذات أثر كبير على الإنسان، من الناحية الروحية، أو السلوكية، أو الاجتماعية.

المحرمات تارة تكون ذات طبيعة شخصية، مثل ترك الصلاة، أو الإفطار في نهار شهر رمضان، أو غيرها من العبادات الواجبة على المسلم، وتارة أخرى تكون المعاصي ذات طبيعة اجتماعية، مثل إيذاء الجار، أو السرقة، والاعتداء على الآخرين، وبالتالي فإن ترك المحرمات ينعكس على مسيرة المسلم على الصعيد الشخصي، عبر الارتقاء بالنفس، وتطهير القلب من الأوساخ المعنوية، وكذلك فإن اجتناب المعاصي يرسم شخصية، صادقة ذات سلوك أخلاقي على الصعيد الاجتماعي، ف ”المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده،“.

اجتناب المحرمات لا يقتصر على فترة زمنية محددة، فالمسلم مطالب بالالتزام بالأوامر الإلهية، والابتعاد عن النواهي، فالواجبات الإسلامية قادرة على صنع شخصية، تكون مثالا، وقدوة في مختلف المجالات، بهدف التأثير على البيئة الاجتماعية من جانب، والارتقاء بالنفس نحو الصلاح والرشاد من جانب اخر، خصوصا وان الارتماء في المعاصي يدمر الشخصية الإسلامية، من الناحية الروحية، والأخلاقية، والاجتماعية، مما ينعكس بصورة سلبية على العلاقات الاجتماعية، لاسيما وان الإسلام يهدف تشكيل مجتمع متحاب، ومتآخ، يستند على القيم الإسلامية، والأخلاقية، القادرة على توطيد العلاقات الاجتماعية، بين افراد المجتمع.

يمثل شهر رمضان المبارك فرصة سانحة، لتعزيز الجانب الروحي لدى الصائم، فالصوم يعزز الصمود في وجه مختلف المحرمات، لاسيما وان الصائم يسعى لنيل رضون الله تعالى، مما يعني رفض كافة أنواع الاغراءات المعنوية ”يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان“، وكذلك اجتناب جميع المحرمات المادية ”إن الله حد حدودا فلا تعتدوها، وفرض فرائض فلا تنقصوها، وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تكلفوها، رحمة من الله لكم فاقبلوها“، وبالتالي فان القدرة على تحريك الجانب الروحي، وامتلاك الإرادة لتعظيم الجوانب الأخلاقية، تصبح ”طيعة“ خلال ساعات الصيام، نظرا لامتثال المسلم لشعيرة الصيام، مما يعني السعي نحو الفضائل وترك الرذائل.

العزيمة الراسخة عنصر أساسي في الارتقاء، نحو السمو على الإطار الروحي، خصوصا وان الحصص العبادية تكون أكثر وضوحا خلال شهر رمضان، مما ينعكس بصورة مباشرة على الغذاء الروحي، والجانب الأخلاقي، فيما يتعلق بالعلاقات الإنسانية، وبالتالي فإن استخدام هذه الطاقة الروحية في مواصلة مشوار التقرب إلى الله تعالى، يعطي دلالة على حصول الصائم على معرفة دقيقة، بأهمية التركيز على الواجبات، واجتناب النواهي، نظرا لآثارها السلبية على الجانب المعنوي، وكذلك الإطار المادي، بمعنى آخر، أن إجلال حرمة شهر رمضان يشكل انعطافه، نحو السمو الذاتي عبر تسخير فريضة الصيام، بما يعود على النفس بمزيد من التقرب من الخالق، والابتعاد عن مختلف أشكال المحرمات.

وكان من دعاء الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين - - إذا دخل شهر رمضان.

اللهم: صل على محمد وآله، وألهمنا معرفة فضله، وإجلال حرمته، والتحفظ مما حظرت فيه، وأعنا على صيامه بكف الجوارح عن معاصيك، واستعمالها فيه بما يرضيك، حتى لا نصغي بأسماعنا إلى لغو، ولا نسرع بأبصارنا إلى لهو، وحتى لا نبسط أيدينا إلى محظور، ولا نخطو بأقدامنا إلى محجور، وحتى لا تعي بطوننا إلا ما أحللت، ولا تنطق ألسنتنا إلا بما مثلت، ولا نتكلف إلا ما يدني من ثوابك، ولا نتعاطى إلا الذي يقي من عقابك.

كاتب صحفي