اقتصادنا لمَنّ يكون: للشركات العملاقة أم الصغيرة والمتوسطة؟ «1»
لم يكن الاقتصاد السعودي يوماً تحت رحمة المؤسسات الصغيرة، بل تحت رحمة المؤسسات الكبيرة. هذا ما تقوله الأرقام الرسمية؛ فنصيبها 70 بالمائة من الإيرادات، و83 % بالمائة من الربحية، رغم أن عددها لا يتجاوز 3 بالمائة. فالاقتصاد السعودي تلفه الشركات العملاقة والكبيرة من جوانبه كافة، ف”أرامكو”و”سابك”و”معادن”و“الكهرباء”و”الاتصالات”وسواها، ولا أنسى ثلة البنوك التجارية التي تحقق أرباحاً مليارية شهرياً.
أقول هذا بكل اعتزاز فهذه مكاسب للاقتصاد الوطني لا شك، إلا أن الاقتصادات المتقدمة والنامية والناشئة تقوم إجمالاً على تكاملية بين المنشآت العملاقة والكبيرة والمتوسطة والصغيرة، ارتكازاً إلى قانون تقسيم العمل «division of labor» والتخصص «specialization»، بما يؤدي لتقسيم الأدوار لتقدم كل منشأة أفضل ما لديها، بغض النظر عن حجمها، بما يرفع كفاءة المنظومة ككل. ومن حيث المساهمة الاقتصادية تمثل المنشآت المتوسطة والصغيرة 40 بالمائة من الدخل القومي للاقتصادات الناشئة. ولنأخذ مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي لبعض البلدان: كوريا 60 بالمائة، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان قرابة 50 بالمائة.
ومن حيث توليد الوظائف، ففي الولايات المتحدة تخلق المنشآت الصغيرة نحو 67 بالمائة من الوظائف الجديدة وهي الأساس للريادة والابتكار ولتنافسية الاقتصاد الأمريكي. ودور الشركات الصغيرة والمتوسطة في توليد الوظائف لا يمكن أن تؤديه الشركات العملاقة أو الكبيرة بأي شكلٍ من الأشكال - لا حالياً ولا مستقبلاً - فعالمياً توفر 90 بالمائة من الوظائف، 67 بالمائة من الوظائف في الاتحاد الأوروبي، 70 بالمائة في اليابان. ولهذا السبب تحديداً - خلق الوظائف - تشجع وتدعم الحكومات المنشآت الصغيرة والمتوسطة وتوفر لها الممكنات وتشرّع لها الأبواب كافة، فالحفاظ على مستوى متدني من البطالة يحققه ازدهار المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
ولعل هناك من يظن أن صناعة السيارات قد ولدت كبيرة أو أنها ترتكز فقط على مساهمات الشركات الكبيرة! حيث نجد أن“السيارة”هي في حقيقة الأمر محصلة تكامل جهود مجموعة كبيرة من الشركات، ولاسيما الصغيرة والمتوسطة. وحتى عند النظر لبعض المنتجات المميزة والتي استعصت على المنافسين نجد أنها نتاج منشآت صغيرة ومتوسطة، والأمثلة الأوضح في هذا السياق أوربية، وهي منتجات المنشآت التي تُعرف ب Mittelstand»» وهذه شركات - كما يبين الاسم - متوسطة، لكنها مُعمرة ومقرها قرية أو بلدة أوربية صغيرة وتولد ليس فقط وظائف لسكان البلدة بل كذلك حساً من الفخر، بأنها تصنع“ساعة”أو“مكينة”أو“عتاد”هو من بين الأفضل في العالم، على الرغم من أن الشركة صغيرة أو متوسطة. «يتبع»